📁 تدوينات جديدة

تنمّر | قصة: ليلى عبدلاوي

تنمّر | قصة: ليلى عبدلاوي

ليلى عبدلاوي | المغرب

أيقظها صوت الباب وهو يُقفل بعنف، هذا ميعاد انصراف أبيها إلى العمل. أشعة الشمس تتسرّب عبر زجاج النافذة، وبصعوبة شديدة تحاول أن تفتح عينيها، عاجزة تمامًا عن توديع عالم الأحلام الساحر.

يصل إليها صوت زوجة أبيها مناديًا اسمها. تمسك بيديها المكتنزتين طرفي الغطاء، تتعمّد الغوص داخل فراشها بعمق غريب، تتكوّم على نفسها في وضعية الجنين، جسدها الضخم مغطّى تمامًا، وعيناها لا تحتملان أي قبس من نور قد يتسرّب إليهما من تحت الغطاء.

يتناهى إليها صدى أصوات عالية، نشازها يصيبها بالهلع. تسمع صوت أوانٍ وكؤوس تتلامس مع بعضها بعنف في المطبخ، ألحانًا كريهة منبعثة من جهاز راديو قديم تمتزج بنباح الكلبة العجوز.

تغمض عينيها بإحكام، تضع أصابعها على أذنيها، الأصوات تخبو قليلًا.

فكرة أنها ستقوم بعد لحظات لتواجه عالمًا ثقيلًا متوحشًا تمزّق روحها… وجوه يعلوها السواد، ألسنة كالسيوف، ونظرات صيغت من حمم ملتهبة.

نداءات زوجة أبيها تصكّ جوانب صدرها. بحركة عنيفة تزيح الغطاء عن جسدها السمين المرتجف.

-       - ألا تستيقظين؟ هذا ميعاد مدرستك قد حان، وبهذا ستضطرينني حتمًا إلى استخدام القوة.

-       - حاضر يا أمي، أنا مستيقظة.

-       - أعرف، وهذا أمر مفروغ منه. هِيلْ قومي لتنظّفي المطبخ وتعدّي لإخوتك طعام الفطور!

ابتعدت المرأة، سمعتها تتمتم:

- الله يعطيكم غبارة تغبركم علي كاملين.

أوصالها ترتجف، تتكوّم على نفسها أكثر، ضربات قلبها تزيد قوّة وتسارعًا. تتساءل كيف ستتمكّن من مواجهة يوم آخر: جحيم البيت وأتون المدرسة.

نظرات الزملاء الساخرة من جسدها المكتنز وهمساتهم تصيبها بالهلع.
ساعات متواصلة من تنمّر بلا رحمة ستقصم ظهرها قصمًا.

بخطى متثاقلة خرجت من الحمّام. اتجهت إلى المطبخ المتّسخ. من زاوية باب الغرفة الموارب، لمحت زوجة أبيها تسرّح خصلات شعرها الفاحم. شرعت في تنظيف المطبخ وإعداد الفطور.

بدون إرادة منها، أسقطت إناء القهوة المصنوع من الفخار، إناءً تعتزّ به زوجة أبيها كثيرًا. احمرّت وجنتاها، رفعت عينيها ببطء إلى وجه المرأة التي أقبلت على عجل، رأت عينين ملتهبتين تكادان تلتهمانها. يا الله! لكم تكرهها، تشعر أنّ قلبها قد من حجر.

أسدلت عينيها إلى الأرض. تمنّت لو كانت تملك طاقية الإخفاء لتغيب عن الأنظار ولو إلى حين.
من قلبها تودّ لو تطير، لو تختفي تمامًا، كما هي، بحجمها الثقيل المثير للضحك.

تعليقات