📁 آخر الأخبار

التربية والنوع الاجتماعي: من السياق الفرنسي للسياق المغربي (ذ. جامع بوسعيد)

جامع بوسعيد
ذ. جامع بوسعيد
إطار تربوي

مقدمة 

يعرف النوع الاجتماعي بأنه مجموع الخصائص السلوكية والمواضعات الاجتماعية المؤسسة، اعتباطيا، على قاعدة الاختلاف الجنسي، وهو كذلك "عملية دراسة العلاقة المتداخلة بين الرجل والمرأة في المجتمع. وتسمى هذه العلاقة "علاقة النوع الاجتماعي"، وتحكمها عوامل مختلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وبيئية عن طريق تأثيرها على قيمة الأدوار التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة. يرتبط إذن هذا المفهوم بمفهوم الأدوار الاجتماعية الذي يشير إلى مجموع الوظائف التي يسندها المجتمع والثقافة للرجل والمرأة.¹ وتعبا لهذا، ﻓﺈن هندسة هذه الأدوار لها طبيعة اعتباطية، كونها وليدة بنية اجتماعية هي المسؤولة عن زرعها في المخيال المجتمعي، وليست نتيجة للاختلافات البيولوجية بين الجنسين. ﻓﺈن كانت تربية الأبناء والعناية بشؤون المنزل يرتبط تقليديا بالمرأة، فهذا لا يرجع لتكوينها البيولوجي، بل لترسبات مجتمعية ذات طبيعة ثقافية ترسخت وفق منظور معين، وﺇلا ﻓﺈن الرجل يمكنه القيام بتلك الأعمال بشكل طبيعي تماما.

النوع الاجتماعي : اهتمام متزايد من طرف سوسيولوجيي التربية

ارتبط تطور سوسيولوجيا التربية ونظرياتها ومناهجها باعتبارها علما يختص بالدراسة الاجتماعية للتربية ومؤسسات التربية، بتطور مواضيع البحث التي تهم المدرسة والتربية. وارتباطا بموضوع النوع ، فسوسيولوجيا بيير بورديو المعروفة بالسوسيولوجيا النقدية أو سوسيولوجيا ﺇعادة اﻹنتاج كانت ترى بأن المدرسة مؤسسة ﻹعادة ﺇنتاج التفاوتات الاجتماعية بما فيها التفاوتات بين الجنسين. حسب هذه النظرية، ﻓﺈن المدرسة بذلك تمارس نوعا من العنف الرمزي أو العنصري، حسب بورديو نفسه، الذي يأخذ تمظهرات شتى. ففي فرنسا، لوحظ أن هناك اختلافات بين الجنسين من حيث النجاح والمسارات التعليمية، ولكن لى حدود التسعينيات، لم تكن هناك محاولات تذكر لتحليلها وتفسيرها، كما لو أن "الأمر ليس كذلك ولا يمثل مشكلة"، إذ كانت التفسيرات المنبثقة من الثقافة المجتمعية تفي بالغرض. لم يثر الانتباه لى اشكالية سوى باحثات إناث، حيث عملن على تحديد هذه الاختلافات بين الجنسين كمشكلة اجتماعية، تتطلب، مثلها مثل التفاوتات الاجتماعية، نظريات لتفسيرها.²

وقد قامت هؤلاء الباحثات بالتمييز بشكل أساسي بين الجنس من حيث كونه الخصائص البيولوجية للأفراد، والجندر كونه الخصائص الاجتماعية والثقافية. كان هدف هذه النظرية دحض الاعتقاد بأن الأدوار الاجتماعية والسمات النفسية الجنسية للأفراد طبيعية، وإظهار أنها على العكس من ذلك، ناتجة عن بناء اجتماعي للذكورة والأنوثة، والذي يختلف باختلاف المجتمعات والظروف التاريخية. يبني النوع الاجتماعي خصائص لا يتم التمييز فيها بين الرجال والنساء فحسب، بل هرمية أيضًا؛ إنه يمثل "الطريق الأساسي للدلالة على علاقات القوة"...³

  لكن ماري دورو بيلا ترى أن التفاوتات بين الجنسين هذه تعزى في مستوى أول لى ما تسميه نظرية السقف الزجاجي، التي ترى من خلالها أن تفوق الفتيات الدراسي ونزوعهن لمجالات معرفية كالتعليم والطب يرجع أساسا لى كون الأنثى تضع لطموحاتها حدودا تجعلها تختار مسارات هي ترى أنها توافق جنسها أو جندرها بالتدقيق، هذا رغم أنهن يستطعن اختيار مجالات وتخصصات أخرى.

 غير أن تزايد تفوق الفتيات في التحصيل الدراسي، وبنسب مافتئت تتزايد، جعل الباحثيين السوسيولوجيين يقفون أمام هذا التغير والنظر ليه بوصفه ظاهرة اجتماعية تربوية مكتملة الأركان. لقد سماها الباحثان الفرنسيان كريستيان بودلو وروجي اسطابلي "واقعة اجتماعية أساسية" تتمثل بالنبوغ والتفوق الدراسي للفتيات.4 لكنهما يقران بأن "البروز القوي للفتيات في المدرسة لم ينجح بعد في تحدي لغاء تأثير  الطبقة الاجتماعية في الأداء المدرسي".

التربية والنوع الاجتماعي ضمن السياق المغربي :

مقاربة النوع مع الميثاق والرؤية الاستراتيجية

إن ما قيل على السياق الفرنسي من وجود التفاوتات بين الجنسين، ينسحب على السياق المغربي لكن بدرجات أكثر وضوحا واستفحالا. ﻓﺈذا أخذنا بعين الاعتبار فقط ما بعد الاستقلال، ﻓﺈننا لى حدود التسعينيات، نتحدث عن ﺇقصاء كلي للفتيات حتى من ولوج المدرسة، نتيجة النظرة الدونية الذكورية المسيطرة على دور المرأة في المجتمع من الأصل. كان ذلك نتيجة كذلك للمناهج الدراسية التي كرست الحق في التعليم والترقي الاجتماعي للذكور فقط، بينما صورت على الدوام الفتاة والمرأة داخل البيت ملتزمة بأعمال تقليدية كالمطبخ وغيره من أعمال البيت. هذا، إضافة لظواهر اجتماعية أخرى كالزواج المبكر.

 كان لابد إذن، من انتظار بداية الألفية الجديدة، والتغيير الجذري في السياسات التربوية، على الأقل من ناحية الأدبيات والتنظيرات البيداغوجية والمنهاجية والمضمونية. شملت هذه التغييرات -الإصلاحات- أو حاولت، الجوانب الحقوقية للتربية، كالتعميم، وتكافؤ الفرص، حيث شهد ولوج الفتيات للدراسة ارتفاعا ملموسا. كما تمت مراجعة المناهج الدراسية لتلائم مقتضيات مجموعة من الاتفاقيات التي التزم بها المغرب ولتستجيب للضرورات المجتمعية التي بدأت بقوة تنادي بالمساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين.  أشارت الفقرة الحادية عشر من الميثاق الوطني للتربية والتكوين لى ضرورة أن "تحترم في جميع مرافق التربية والتكوين المبادئ والحقوق المصرح بها للطفل والمرأة والانسان بوجه عام، كما تنص على ذلك المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية المصادق عليها من لدن المملكة المغربية". أما الفقرة الثانية عشرة فتشدد على أن "يعمل نظام التربية والتكوين على تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص أمامهم، وحق الجميع في التعليم، إناثا وذكورا، سواء في البوادي أو الحواضر، طبقا لما يكفله دستور المملكة".

أما الرؤية الاستراتيجية للإصلاح فقد خصصت فقرتين من الرافعة الأولى المعنونة بـ "تحقيق المساواة في ولوج التربية والتكوين"، من الفصل الأول للحديث عن مقاربة النوع الاجتماعي.
فالفقرة الأولى تدعو إلى "السهر على الالتزام باحترام مبادئ وحقوق الطفل والمرأة والإنسان بوجه عام، في جميع مرافق التربية والتكوين، كما تنص على ذلك مقتضيات الدستور، والاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة. وتخصص برامج وحصص تربوية ملائمة للتعريف بها، والتمرن على ممارستها وتطبيقها واحترامها"، وتشير الفقرة الثانية إلى "تحقيق هدف الولوج التام للتربية والتكوين لجميع الأطفال المغاربة، إناثا وذكورا، لاسيما في التعليم الإلزامي بالنسبة للفئة العمرية من 4إلى 15سنة، دون تمييز قائم على أساس "الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة، أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان" (الدستور)، في كافة الأسلاك والمستويات التعليمية والتكوينية، وفي التزام بمبدأي تكافؤ الفرص والاستحقاق انسجاما مع مسؤولية الدولة في تعميم التعليم وإلزاميته". وإضافة لذلك، فقد كانت هناك برامج ومخططات عديدة في إطار شراكات مع دول (مشروع دعم تدبير المؤسسات التعليمية PAGESM بشراكة مع كندا ومشروع العمل الاستراتيجي المتوسط المدى PASMT لمأسسة المساواة بين الجنسين (IES) في المنظومة التربوية بشراكة مع الاتحاد الأوروبي) كلها سعت لى تدارك الوضع الخاص بتمدرس الفتيات.

المرأة في الكتاب المدرسي :

الكتاب المدرسي وسيلة ديداكتيكية تسمح بتنزيل أهداف المنهاج التربوي وتوجيهات الجهات الوصية على قطاع التربية والتعليم. فالكتاب المدرسي يضطلع بعديد من المهام، منها تصريف القيم والاتجاهات والمعارف التي تخدم التوجهات الكبرى للدولة، بغرض تنشئة المتعلمين تنشئة تتناغم مع مبادئ وتوجهات الدولة. كان من اختيارات الدولة المغربية بخصوص الكتاب المدرسي، فتح إمكانية إنتاج الكتاب المدرسي من طرف الخواص، بعد تبنيها لمقاربة الكتاب المتعدد. وبتفحص دقيق لبعض هذه الإنتاجات يمكن الوقوف على مدى استمرار التفاوتات بين الجنسين في الوعي واللاوعي التربوي بذاته، وإن اتخذ أشكالا جديدة.

 ففي دراسة بهذا الصدد، ﻓﺈن الكتاب المدرسي لمادة اللغة العربية يشيد صورة مادحة للمرأة، وإن في نصوص قليلة، إذ يظهرها بصورة المرأة المناضلة، والمثقفة، والعاملة، والصحافية، والبرلمانية... إلخ، مما يسهم في تكسير الصورة النمطية للمرأة في تمثلات المتعلمين، وذلك في انسجام مع الدينامية التي يشهدها المجتمع المغربي من خلال انفتاحه على القيم الكونية التي تتيح للمرأة وضعية متميزة. لكنه بالمقابل همش الفاعلية ابداعية للنساء، وهو ما يخالف الواقع، مما ق يرسخ في أذهان المتعلمين نوعا من الدونية المعرفية لهن.5

خاتمة

إن المدرسة في نظر سوسيولوجيا التربية، وعلى عكس التصور الشائع، عالم بطيء التغير، وينزع باستمرار إلى المحافظة. ومع ذلك، فعالم المدرسة يؤثر تأثيرا عميقا في المجتمع.6 ن التطورات التي شهدها النظام التربوي المغربي منذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين وحتى الرؤية الاستراتيجية وخارطة الطريق 2022/2026 تعكس تقدماً ملموساً في تعزيز مقاربة النوع ضمن منظومة التربية والتكوين. قد يبدو ذلك غير كاف ، لكنه ورغم التحديات المستمرة، يشير إلى التزام قوي بتحقيق المساواة بين الجنسين في النظام التعليمي وضمان تمكين الفتيات من سبل الترقي الاجتماعي أسوة بالذكور من خلال التعليم.
................................................................................................................

 ¹ عادل بن زين، مقاربة النوع الاجتماعي في الخطاب التربوي المغربي: كتاب اللغة العربية نموذجا، مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، المجلد 3 السنة 2022.
² Catherine Marry et Nicole Mosconi, Traité de sciences et des pratiques de l’éducation : Genre et éducation, p. 443. Dunod Pris 2006.
 op. cit.
4  op. cit.
5 عادل بن زين، دراسة حول الكتاب المدرسي ومقاربة النوع، مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، ص 103- ص 134.
فوزي بوخريص، سوسيولوجيا التربية وسؤال النوع الاجتماعي: من التفاوت الاجتماعي الى التفاوت بين الجنسين، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية.
................................................................................................................

بيبليوغرافيا:

المصادر:

وزارة التربية الوطنية، الميثاق الوطني لتربية والتكوين 2000.

المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030.

وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خارطة الطريق 2022-2026.

المراجع بالعربية :

بن زين عادل، مقاربة النوع الاجتماعي في الخطاب التربوي المغربي : كتاب اللغة العربية نموذجا، مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، ص-ص 103-134.

بوخريص فوزي، سوسيولوجيا التربية وسؤال النوع الاجتماعي: من التفاوت الاجتماعي الى التفاوت بين الجنسين، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية.

محمد الدريج، نظرية النوع في التربية والتعليم: الأسس والخلفيات والمخاطر، مجلة علوم التربية، أكتوبر 2016.

المراجع الأجنبية:

Catherine Marry et Nicole Mosconi, Genre et éducation, Traité des sciences et des pratiques de l’éducation, p-p 443-455.

تعليقات