مقدمة
يعرف النوع الاجتماعي بأنه مجموع الخصائص السلوكية والمواضعات الاجتماعية المؤسسة، اعتباطيا، على قاعدة الاختلاف الجنسي، وهو كذلك "عملية دراسة العلاقة المتداخلة بين الرجل والمرأة في المجتمع. وتسمى هذه العلاقة "علاقة النوع الاجتماعي"، وتحكمها عوامل مختلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وبيئية عن طريق تأثيرها على قيمة الأدوار التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة. يرتبط إذن هذا المفهوم بمفهوم الأدوار الاجتماعية الذي يشير إلى مجموع الوظائف التي يسندها المجتمع والثقافة للرجل والمرأة.¹ وتعبا لهذا، ﻓﺈن هندسة هذه الأدوار لها طبيعة اعتباطية، كونها وليدة بنية اجتماعية هي المسؤولة عن زرعها في المخيال المجتمعي، وليست نتيجة للاختلافات البيولوجية بين الجنسين. ﻓﺈن كانت تربية الأبناء والعناية بشؤون المنزل يرتبط تقليديا بالمرأة، فهذا لا يرجع لتكوينها البيولوجي، بل لترسبات مجتمعية ذات طبيعة ثقافية ترسخت وفق منظور معين، وﺇلا ﻓﺈن الرجل يمكنه القيام بتلك الأعمال بشكل طبيعي تماما.
النوع الاجتماعي : اهتمام متزايد من طرف سوسيولوجيي التربية
ارتبط تطور سوسيولوجيا التربية ونظرياتها ومناهجها باعتبارها علما يختص
بالدراسة الاجتماعية للتربية ومؤسسات التربية، بتطور مواضيع البحث التي تهم
المدرسة والتربية. وارتباطا بموضوع النوع ، فسوسيولوجيا بيير بورديو
المعروفة بالسوسيولوجيا النقدية أو سوسيولوجيا ﺇعادة اﻹنتاج كانت ترى بأن المدرسة
مؤسسة ﻹعادة ﺇنتاج التفاوتات الاجتماعية بما فيها التفاوتات بين الجنسين. حسب هذه
النظرية، ﻓﺈن المدرسة بذلك تمارس نوعا من العنف الرمزي أو العنصري، حسب بورديو
نفسه، الذي يأخذ تمظهرات شتى. ففي فرنسا، لوحظ
أن هناك اختلافات بين الجنسين من حيث النجاح والمسارات التعليمية، ولكن ﺇلى حدود التسعينيات، لم تكن هناك محاولات تذكر لتحليلها وتفسيرها، كما
لو أن "الأمر ليس كذلك ولا يمثل مشكلة"، إذ كانت التفسيرات المنبثقة من
الثقافة المجتمعية تفي بالغرض. لم يثر الانتباه ﺇلى اﻹشكالية سوى باحثات إناث، حيث عملن على
تحديد هذه الاختلافات بين الجنسين كمشكلة اجتماعية، تتطلب، مثلها مثل التفاوتات
الاجتماعية، نظريات لتفسيرها.²
لكن ماري دورو بيلا ترى أن التفاوتات بين الجنسين
هذه تعزى في مستوى أول ﺇلى ما تسميه نظرية السقف الزجاجي، التي ترى من
خلالها أن تفوق الفتيات الدراسي ونزوعهن لمجالات معرفية كالتعليم والطب يرجع أساسا
ﺇلى كون
الأنثى تضع لطموحاتها حدودا تجعلها تختار مسارات هي ترى أنها توافق جنسها أو
جندرها بالتدقيق، هذا رغم أنهن يستطعن اختيار مجالات وتخصصات أخرى.
غير أن تزايد تفوق الفتيات في التحصيل الدراسي، وبنسب مافتئت تتزايد، جعل الباحثيين السوسيولوجيين يقفون أمام هذا التغير والنظر ﺇليه بوصفه ظاهرة اجتماعية تربوية مكتملة الأركان. لقد سماها الباحثان الفرنسيان كريستيان بودلو وروجي اسطابلي "واقعة اجتماعية أساسية" تتمثل بالنبوغ والتفوق الدراسي للفتيات.4 لكنهما يقران بأن "البروز القوي للفتيات في المدرسة لم ينجح بعد في تحدي ﺇلغاء تأثير الطبقة الاجتماعية في الأداء المدرسي".
التربية والنوع الاجتماعي ضمن السياق المغربي :
مقاربة النوع مع الميثاق والرؤية الاستراتيجية
كان لابد إذن، من انتظار بداية
الألفية الجديدة، والتغيير الجذري في السياسات التربوية، على الأقل من ناحية
الأدبيات والتنظيرات البيداغوجية والمنهاجية والمضمونية. شملت هذه التغييرات -الإصلاحات- أو حاولت، الجوانب الحقوقية للتربية، كالتعميم، وتكافؤ الفرص، حيث
شهد ولوج الفتيات للدراسة ارتفاعا ملموسا. كما تمت مراجعة المناهج الدراسية لتلائم
مقتضيات مجموعة من الاتفاقيات التي التزم بها المغرب ولتستجيب للضرورات المجتمعية
التي بدأت بقوة تنادي بالمساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين. أشارت الفقرة الحادية عشر من الميثاق الوطني
للتربية والتكوين ﺇلى ضرورة أن "تحترم في جميع مرافق التربية والتكوين المبادئ والحقوق
المصرح بها للطفل والمرأة والانسان بوجه عام، كما تنص على ذلك المعاهدات
والاتفاقيات والمواثيق الدولية المصادق عليها من لدن المملكة المغربية". أما
الفقرة الثانية عشرة فتشدد على أن "يعمل نظام التربية والتكوين على تحقيق
مبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص أمامهم، وحق الجميع في التعليم، إناثا وذكورا، سواء في
البوادي أو الحواضر، طبقا لما يكفله دستور المملكة".
المرأة في الكتاب المدرسي :
الكتاب
المدرسي وسيلة ديداكتيكية تسمح بتنزيل أهداف المنهاج التربوي وتوجيهات الجهات الوصية على قطاع التربية
والتعليم. فالكتاب المدرسي يضطلع بعديد من المهام، منها تصريف القيم والاتجاهات والمعارف
التي تخدم التوجهات الكبرى للدولة، بغرض تنشئة المتعلمين تنشئة تتناغم مع مبادئ
وتوجهات الدولة. كان من اختيارات الدولة المغربية بخصوص الكتاب المدرسي، فتح إمكانية إنتاج الكتاب المدرسي من طرف
الخواص، بعد تبنيها لمقاربة الكتاب المتعدد. وبتفحص دقيق لبعض هذه الإنتاجات يمكن
الوقوف على مدى استمرار التفاوتات بين الجنسين في الوعي واللاوعي التربوي بذاته، وإن اتخذ أشكالا جديدة.
ففي دراسة بهذا الصدد، ﻓﺈن
الكتاب المدرسي لمادة اللغة العربية يشيد صورة مادحة للمرأة،
وإن في نصوص قليلة، إذ يظهرها بصورة المرأة المناضلة، والمثقفة، والعاملة، والصحافية،
والبرلمانية... إلخ، مما يسهم في تكسير الصورة النمطية
للمرأة في تمثلات المتعلمين، وذلك في انسجام مع الدينامية التي
يشهدها المجتمع المغربي من خلال انفتاحه على القيم الكونية التي تتيح للمرأة وضعية متميزة.
لكنه بالمقابل همش الفاعلية اﻹبداعية
للنساء، وهو ما يخالف الواقع، مما ق يرسخ في أذهان المتعلمين نوعا من الدونية
المعرفية لهن.5
خاتمة
بيبليوغرافيا:
المصادر:
وزارة التربية
الوطنية، الميثاق الوطني لتربية والتكوين 2000.
المجلس الأعلى
للتربية والتكوين، الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030.
وزارة التربية
الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خارطة الطريق 2022-2026.
المراجع بالعربية
:
بن زين عادل،
مقاربة النوع الاجتماعي في الخطاب التربوي المغربي : كتاب اللغة العربية نموذجا،
مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، ص-ص 103-134.
بوخريص فوزي،
سوسيولوجيا التربية وسؤال النوع الاجتماعي: من التفاوت الاجتماعي الى التفاوت بين
الجنسين، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية.
محمد الدريج،
نظرية النوع في التربية والتعليم: الأسس والخلفيات والمخاطر، مجلة علوم التربية،
أكتوبر 2016.
المراجع الأجنبية:
Catherine Marry et Nicole Mosconi, Genre et éducation, Traité des sciences et des pratiques de l’éducation, p-p 443-455.