📁 تدوينات جديدة

"أصداء الفكر"... أكثر من سلسلة، إنها وطن للحرف والفكرة | جهان الموذن

 "أصداء الفكر" شجرة وارفة، يفيء إلى ظلها من يكتب، ويستريح تحت أغصانها من يقرأ، ويتنفس فكرها من يتأمل.

"أصداء الفكر"... أكثر من سلسلة، إنها وطن للحرف والفكرة | جهان الموذن

جهان الموذن | المغرب 

حين أسمع بـ"أصداء الفكر"، لا أستحضر فقط سلسلة ثقافية تنشر بشكل منتظم، بل أتخيل فضاءً رحباً يسكنه العارفون والعاشقون للكلمة الحرة والفكر النابض. إنها ليست مجرد إصدار ثقافي يصدر وفق جدول زمني، بل حالة وعي تُبنى بهدوء، وإيمان عميق بقدرة الثقافة على التغيير، وقدرتها على أن تكون مرآة صادقة للتحولات التي نعيشها، بل ورافعة أساسية لوعي جديد، أكثر اتساعاً، وأكثر إنصاتاً لما يجري من حولنا.

قد لا أكون من المتابعين الأوائل لهذه السلسلة، لكنني في السنوات الأخيرة وجدت فيها ما يلامس شغفي بالفكر والثقافة، وما يحاكي انشغالاتي كقارئ يتوق إلى نصوص صادقة، لا تلهث خلف الإثارة ولا تركن إلى التكرار. ما يميزها ليس فقط تنوع الأقلام التي تكتب فيها، والتي تنتمي إلى مشارب معرفية وأجيال مختلفة، بل تلك الروح الجماعية التي تجمع بين الأساتذة والباحثين والمبدعين، في مشروع ثقافي يحمل هماً حقيقياً، ويعكس تصوراً نبيلاً لما يجب أن تكون عليه الثقافة: حرة، منفتحة، عميقة، وإنسانية.

من خلال صفحاتها، شعرت كأنها تهمس لكل قارئ: "مكانك هنا، حيث الكلمة تُنصت والفكر يُحتفى به". كان لكل عدد من أعدادها نكهة خاصة، ومفاجآت فكرية تشبه تماماً انفتاح نوافذ الروح على شمس المعرفة. لا تخلو هذه الإصدارات من مقالات تثير الأسئلة، وتحفز على التفكير، وتضع القارئ في مواجهة مع ذاته ومع العالم، بأسلوب لا يغلق الأبواب، بل يفتحها على مصراعيها أمام النقاش والحوار.

د. حسن إمحيل، بعقله المنظم وروحه المتوهجة، شكل مع فريقه النواة الصلبة لهذا المشروع الذي استطاع أن يخلق توازناً نادراً بين الاحترافية والدفء الإنساني. لم تكن السلسلة يوماً منبراً نخبوياً مغلقاً، بل حديقة فكرية، يدخلها من يحمل الكلمة بصدق، ويخرج منها محملاً بما يستحق التأمل، حديقة تتسع للجميع، ولا تضع حواجز أمام أحد. إنها مساحة حرة، لا تتغذى إلا من الإيمان العميق بأهمية الكلمة، وبقدرتها على بناء المعنى وفتح آفاق جديدة.

"أصداء الفكر" شجرة وارفة، يفيء إلى ظلها من يكتب، ويستريح تحت أغصانها من يقرأ، ويتنفس فكرها من يتأمل. ومن يحلم بثقافة لا تتكلس، بل تتجدد، وتفتح أبوابها للجميع، سيجد فيها مأوى روحياً وفكرياً. هي دعوة دائمة للغوص في العمق، للذهاب إلى ما وراء السطح، لإعادة التفكير في المسلّمات، والاحتفاء بالاختلاف والتعدد.

فشكراً لكل من يضع حرفاً فيها، وشكراً أكثر لمن آمن بها وجعلها ممكنة. إنها الأثر الذي لا يزول... والصوت الذي يترك صداه فينا، لا كصدى عابر، بل كنبض حيّ، يذكّرنا دوماً بأن الكلمة، حين تُكتب بصدق، تصير حياة.

تعليقات