📁 تدوينات جديدة

أمل الطريبق: "الكتابة ليست اختيارًا، بل قدرا يسكنني..."

أمل الطريبق: "الكتابة ليست اختيارًا، بل قدرا يسكنني..."
 

بين القصر الكبير وتطوان وطنجة والعرائش، تمتد رحلة الشاعرة أمل الطريبق مثل نهرٍ من نور، تتشكل ضفافه من لغة أصيلة، ورؤية شعرية مشبعة بالتراث والحلم والرمز، وتجربة إنسانية تُجيد الإصغاء لنبض المدينة ووجدان الإنسان.

في هذا الحوار، تفتح أمل الطريبق قلبها لمجلة أصداء الفكر، وتحدّثنا عن بداياتها، وعن علاقتها بالشعر، وعن مسؤوليتها التربوية والثقافية، وعن ديوانها المرتقب "من أغاني شهرزاد".

• أصداء الفكر: لنبدأ من الجذور… كيف تشكل وعيك الأول بالشعر داخل أسرة تُعرف بثقلها الثقافي؟

أمل الطريبق: ولدتُ في بيتٍ يجاور الكتب كما يجاور الضوءُ النافذة. كان عماي، الدكتور حسن الطريبق والأستاذ مصطفى الطريبق، بمثابة مدرستين متكاملتين؛ علّماني منذ طفولتي أن الشعر ليس ترفًا لغويًا، بل جزءا من هوية الإنسان، ومساحة لاكتشاف الذات. كنت أقرأ بشغف في مكتبة والدي الأستاذ والمترجم عبد السلام الطريبق، وأشعر أن الكلمات تكبر داخلي كما تكبر زهرة في تربة خصبة أصيلة.

• أصداء الفكر: متى أدركتِ أنك لا تقرئين الشعر فقط، بل تكتبينه؟

أمل الطريبق: أعتقد أن اللحظة التي يتحول فيها القارئ إلى شاعر لحظة خفية، لا تُرى بل تُحسّ. منذ سنوات الدراسة الأولى، كنت أجد نفسي أكتب صورًا متقطعة، ثم أحوّلها إلى مقاطع شعرية. ومع الوقت، أدركت أن الكتابة ليست اختيارًا، بل قدرا يسكنني.

• أصداء الفكر: شاركتِ في مهرجانات وطنية ودولية مهمّة. ماذا أضافت لك هذه اللقاءات؟

أمل الطريبق: المهرجانات الشعرية تتجاوز كونها أمسيات إلى فضاءات للالتقاء الإنساني. مشاركتي في مهرجان الشعر الحديث بشفشاون، وفي الملتقى الدولي للشعر بطنجة، ومهرجان محمد الخمار الكنوني بالقصر الكبير، فتحت لي أبوابًا جديدة لفهم التجارب المختلفة، وأكدت لي أن القصيدة المغربية جزء من حركية شعرية عربية ومتوسطية غنية.

• أصداء الفكر: ديوانك الأول “انسياحات” احتُفي به في مدن عدة… كيف تتذكرين تلك التجربة؟

أمل الطريبق: كان “انسياحات” بمثابة شهادة الميلاد الشعرية الحقيقية. شهادة تجاوزت كونها ديوانا إلى اعتبارها مساحة لتحرير الكثير من الأسئلة التي كانت داخلي. الاحتفاء به في القصر الكبير وطنجة والعرائش والرباط كان اعترافًا بجمالية التجربة، ودافعًا كبيرًا لمواصلة الطريق.

• أصداء الفكر: أنتِ أيضاً شريكة في ديوانين جماعيين: "ألفة القصيد" و"جدوات من حبر". ما الذي يجذبك إلى الكتابة المشتركة؟

أمل الطريبق: العمل الجماعي يُشبه العزف المشترك على آلة واحدة. هو فرصة لاختبار روح الشعر داخل جماعة، ولمحاورة أصوات مختلفة. "ألفة القصيد" و"جدوات من حبر"، كانا بالنسبة إليّ تجربة إنسانية قبل أن يكونا تجربة شعرية.

• أصداء الفكر: ديوانك الجديد “من أغاني شهرزاد”… ماذا تخبرينا عنه؟

أمل الطريبق: هو امتداد لرحلتي مع الأنثى داخل القصيدة. لطالما شعرت أن صوت المرأة في الشعر العربي ما زال بحاجة إلى فضاءات جديدة تُنصت إلى عمق التجربة الإنسانية، لا إلى الصورة التقليدية للأنوثة. “من أغاني شهرزاد” هو محاولة لكتابة الذات والمدينة والحلم من زاوية أكثر نضجًا واندماجًا.

• أصداء الفكر: إلى جانب الشعر، أنت فاعلة تربوية بامتياز. كيف يتقاطع دورك التربوي مع دورك الشعري؟

أمل الطريبق: المدرسة بالنسبة إليّ ليست مؤسسة فقط، بل فضاء يزهر فيه الوعي. أشتغل في ثانوية أحمد الراشدي، وأشرف على نوادٍ للإبداع وقضايا الشباب، وأؤمن أن التربية هي الوجه الآخر للشعر: كلاهما يبني الإنسان.

عندما أرى تلميذًا يكتشف لذة الكتابة لأول مرة، أشعر أنني أسهمت في شيء حقيقي.

• أصداء الفكر: أنت أيضاً فاعلة مدنية وسياسية، ورئيسة فرع رابطة كاتبات المغرب بالقصر الكبير. كيف تتعايش هذه الأدوار المتعددة في حياتك؟

أمل الطريبق: قد تبدو الأدوار كثيرة، لكنها في العمق تنطلق من الإيمان نفسه: خدمة الثقافة والإنسان. العمل السياسي والمدني بالنسبة إليّ امتداد طبيعي للمسؤولية الثقافية. لا يمكن للشعر أن يعيش في برج معزول؛ عليه أن ينخرط في الحياة وأن يلامس قضايا الناس.

• أصداء الفكر: يحضر اسم القصر الكبير بقوة في تجربتك. ماذا تمثل لك هذه المدينة؟

أمل الطريبق: القصر الكبير ليست مدينة في حياتي… إنها ذاكرة. هي شوارع تشبه القصائد، وأبواب تشبه بداياتي، ووجوه تحمل الكثير من الحنان. كتبت عنها ولها، وأعتقد أنها ستظل دائمًا جزءًا من لغتي الداخلية.

• أصداء الفكر: كيف ترين موقع القصيدة المغربية اليوم، خاصة في الفضاء المتوسطي؟

أمل الطريبق: هناك حيوية واضحة في النص المغربي، سواء داخل المغرب أو في فضاءات المتوسط. مشاركتي في ملتقى القصيدة المتوسطية بتطوان أخيرًا جعلتني أدرك أن الشعر اليوم يبحث عن جسور جديدة، وأن المتوسط فضاء تتقاطع فيه اللغات والأساطير والهويات. نحن جزء من هذا المدّ، ونستطيع الإسهام فيه بقوة.

• أصداء الفكر: ما الذي تخططين له في المرحلة القادمة؟

أمل الطريبق: أعمل على إنهاء اللمسات الأخيرة لديواني الجديد، وأطمح إلى مشاريع تجمع بين الشعر والتعليم. كما أنني أحلم بتأسيس فضاء ثقافي مستقل في القصر الكبير يُعنى بالمواهب الشابة.

• أصداء الفكر: كلمة أخيرة لقرّاء مجلة أصداء الفكر.

أمل الطريبق: الكلمة التي لا تمسّ القلب لا تستحق أن تُكتب. وأتمنى أن يظل الشعر نافذتنا إلى الضوء في زمن تتسارع فيه الأحداث وتضيق فيه الروح. شكراً لمجلة أصداء الفكر على هذا الاحتفاء، وشكرًا لكل قارئ يمنح القصيدة فرصة للحياة.

تعليقات