ترجمة د. رويدا جابر | مصر
ألقى هيمانت، البالغ من العمر خمسة عشر عامًا، الحصى بغضب في بركة الماء، فلم يكن يهتم بإمكانية اصطدام الحصى بالسمكة التي أحب والده مشاهدتها عندما جلس في الخارج فوق المروج الخضراء. كل تلك الرفاهية، والرجل العجوز يبدو أحيانًا رجلاً شحيحًا! لقد رفض ثلاث مرات خلال هذا الشهر أن يعطي هيمانت أكثر من خمسين روبية كمصروف شخصي لتوفير احتياجاته!
ماذا تفعل خمسون روبية لهيمانت؟ لقد وعد أصدقاءه من الشباب بجولة في دور العرض السينمائي. نظر هيمانت إلى ساعته، فلاحظ أنه لم يتبقَّ سوى نصف ساعة فقط على فتح باب الحجز، ولا توجد طريقة لتوفير قيمة خمس تذاكر. ماذا يجب أن يفعل؟ وفجأة، تذكّر جانبًا من حوار دار بين أمه وصديقةٍ لها: "لقد جمعتُ هذه الكريستالات من جميع أنحاء العالم، وهذا مصدر فخرٍ وسعادة لي".
يا لها من فكرة رائعة! قفز هيمانت وتسلّل مرة أخرى إلى المنزل. لم يكن هناك أحد في غرفة المعيشة، فالتقط أول قطعة من الكريستال وقعت عيناه عليها ـ مزهرية طويلة ـ وسرقها.
وصل هيمانت إلى المسرح بعد وصول الأولاد الأربعة الآخرين وهو يلهث، لكنه كان فرحًا، لأنه أخذ بسعادة بالغة الأربعمائة روبية التي تقاضاها كقيمة بيع المزهرية، ودفع منها مئة روبية قيمة التذاكر. لقد اعتبر أكاش وأرجون وروهيت هذا أمرًا بديهيًا، لكن على النقيض منهم، استشعر غوراف ـ الذي كان والده يزوّد مصنع والد هيمانت بالفولاذ ـ الحرج بعض الشيء، لأنه كان يفضّل شراء تذكرته الخاصة على نفقته، ولكنه أدرك مدى الحرج الذي سيسببه لهيمانت إذا اقترح ذلك. ومن ثم، قام بشراء لفافتين من الرقائق ليتناولوها أثناء مشاهدة الفيلم. في هذه الأثناء، شعر هيمانت بالارتياح لأنه لم يكن بحاجة إلى إنفاق المزيد من الأموال، بل على العكس، سينفق من الثلاثمائة روبية المتبقية خلال الأيام القليلة القادمة.
لم يلاحظ أحد اختفاء المزهرية لمدة أسبوع تقريبًا. في هذه الأثناء، كان هيمانت قد استطاع سرقة مرمدة سجائر وزبدية (وعاء ثلاثي الزوايا) أيضًا. وعلّقت السيدة خانا قائلة: "هذا غريب، أين احتفظتُ بالمزهرية؟"
لذا استجوبت موظفي المنزل، لكن يبدو أنهم لا يعرفون شيئًا عنها، وتظاهر هيمانت، الذي كان ينصت إليهم، بالقراءة. وعندما اختفت القطعة السادسة، لم تعد السيدة خانا قادرة على الاستهانة بما يحدث، فقالت لزوجها: "عليك أن تنادي الجميع وتستجوبهم".
فأجابها: "ليس لدي وقت لذلك، إنني مستغرق في العمل في المصنع".
لم يتحدث الوالد في المنزل عن طبيعة العمل، لكنه كان يعاني من مشاكل كبيرة في العمل، حيث تم تأجيل المدفوعات الضخمة (قيمة المواد الخام التي يحتاجها المصنع) بسبب ظهور عيب في الصناعة، وكان يجد صعوبة في الاستمرار. ومن ثم، كان لا بد من النظر في عملية التصنيع وتوفير إمدادات جديدة، كما يجب أن تُدفع أجور العمال، وإلا سيضربون عن العمل. وبالرغم من هذا، لم يشارك أسرته مخاوفه هذه، لأنه لم يكن يريدهم أن يفكروا في انهيار شركته.
لم يطلب هيمانت من والده المزيد من المال لمدة شهر كامل، ولم يستوقف ذلك السيدة خانا، التي لم تكن من ناحيةٍ أخرى لتتخلى عن كريستالاتها بهذه السهولة، فبدأت في تتبّع عدد القطع التي بحوزتها وتأكدت من أنها رتبتها بطريقة تمكنها من ملاحظة اختفاء أيٍّ منها بعد ذلك. ومن ثم لم يكن لدى هيمانت فرصة لسرقة المزيد من مجموعة والدته للحصول على أموال ينفقها.
واقترح الجمع المكوَّن من أكاش وأرجون عندما كانوا معًا: "دعونا نذهب لمشاهدة العرض الذي سيقدمه دالر مهندي السبت المقبل". كانوا واثقين من أن هيمانت، كالعـادة، سيقوم بشراء تذاكر العرض على الرغم من ارتفاع ثمنها. لذا لمعت عينا روهيت لهذه الفكرة. لقد تخيّل نفسه كمغنٍّ وأراد أن يحل محل دالر نفسه!
هز غوراف رأسه: "لا، لا يمكنني الحضور، لن يسمح لي والداي بالذهاب إلى عرض مثل هذا في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل". لم يقل هيمانت أي شيء، فقد كان لديه إحساس بالقلق الشديد اضطربت على إثره معدته، لأنه كان يعلم أنه لا يمكنه أبدًا توفير ثمن التذاكر. لاحظ غوراف القلق على وجه هيمانت وتذكّر فجأة المحادثة التي سمعها بين والديه قبل ليلتين.
أجاب أكاش:
"آري، دائمًا ما يوفر لنا والد هيمانت مثل هذه الأشياء، ومن ثم يمكنه تحمّل
تكاليفها، فبضعة آلاف من الروبيات تعني القليل بالنسبة له؟" أحدق هيمانت
النظر إلى غوراف. "نعم، الإنفاق على التذاكر ومثل هذه الأشياء شأنه شأن إطعام
الدجاج. إذا طلبتَ تذاكر العودة إلى الولايات المتحدة، فقد يفكر مرتين..."
مشى هيمانت
بعيدًا وركض غوراف وراءه. "هيمانت، انتظر!" وبالفعل، انتظر غوراف حتى
ابتعدا عن سمع الآخرين، ثم تكلم بسرعة: "أعرف أن الأمور ليست على ما يرام في
المصنع، هيمانت. يمكنك دائمًا أن تطلب من الآخرين دفع ثمن تذاكرهم بأنفسهم، لا
ينبغي عليك الإنفاق عليهم".
أجابه هيمانت بحدة: "لماذا لا تهتم بشؤونك الخاصة؟"
توجه هيمانت إلى المنزل، متناسيًا كلمات غوراف بشدة، ووجّه تفكيره نحو إيجاد طريقة للحصول على بعض المال. لم يفكر في كريستال أمه، لكنه فكر في الفضة التي تمتلكها، فذهب مباشرة إلى الخزانة الجانبية وفتح الدرج، حيث كانت الأكواب الفضية الستة الثقيلة. ألقى بها في حقيبته وتوجه إلى طريق متاجر الفضة التي كانت والدته تزورها كثيرًا. لم يكن يعلم أن غوراف كان في طريقه، مصممًا على التفكير معه.
عندما ألقى
هيمانت الأكواب الفضية على منضدة المجوهرات، اندفع غوراف إلى المتجر وواجه صديقه
قائلاً: "هل يعرف والداك ما تفعله يا هيمانت؟"
فنهره هيمانت قائلاً: "اغرب عن وجهي!" ودفعه بعيدًا.
"ما هذا؟ ما الذي تفعلانه يا أولاد؟" سألهم صاحب المتجر وهو يضغط الجرس تحت طاولته. انطلقت صفارة الإنذار واندفع حارس مسلح إلى الداخل، وأصيب هيمانت بالذعر، فترك الأكواب على المنضدة وركض إلى السوق مع غوراف بكامل سرعته. وعندما أصبحا بعيدَين وعلى مسافة آمنة، توقف هيمانت واتجه ناحية غوراف.
"لماذا تدخلت الآن؟ انظر ماذا حدث الآن! لقد فقدتُ الفضة
والمال بسببك أيضًا!"
قال غوراف:
"يمكنك استعادة الأكواب الفضية، بالتأكيد. لقد عدتُ للتو إلى الصائغ اللطيف
المتعاون وأخبرته أن كل هذا كان خطأ، وأنني أريد استعادة الأكواب".
"حسنًا، ليس هذا بالضبط. قد لا تتمكن من استعادتها بنفسك،
ولكن يجب عليك اصطحاب والدك أو والدتك معك..."
"رائع!" قال هيمانت المؤذي. "ربما أقيد نفسي
وأذهب إلى رجال الشرطة!"
قال غوراف:
"سوف آتي معك، لست مضطرًا لمواجهة والديك وحدك. سأخبرهم كيف هو الحال في
مجموعتنا، وكيف يتوقع منك الجميع أن تدفع ثمن كل شيء..."
فدفعه هيمانت جانبًا قائلاً: "لقد تسببتَ لي في أضرار كافية اليوم. فقط ابتعد عني، لست بحاجة إلى ما يسمى مساعدتك".
قرر هيمانت أنه سينسى هذه الأكواب الفضية، وكل أمله فقط ألا تفكر والدته في استخدامها، فهي لم تُخرجها منذ شهور على أي حال. لكنه كان تعيس الحظ هذه المرة، ففي هذا المساء بالذات، عندما جاء عم والدته، بريم، أصرت والدته على ألا يتناول "لاسي" مشروبه إلا في آنية الفضة.
فانكمش هيمانت في كرسيه، في انتظار موجة الغضب التي ستصدرها أمه عندما تجد الدرج فارغًا. لكنها لم تفعل شيئًا، لذا فقد اطمأن أخيرًا واعتدل في جلسته، حيث كان العم بريم وزوجته ووالداه يسكبون لأنفسهم مشروبهم المفضل في الأكواب الفضية!
فنظر هيمانت إلى صينية الأكواب كما لو كانت ستلدغه. كيف؟ كيف عادت الأكواب إلى المنزل؟ من أحضرها؟ ثم نظر إلى والدته. ماذا كانت تخفي وراء تلك الابتسامة؟ وأبي؟ ماذا سيفعل أبي عندما ينفرد بي؟ لذا جلس هيمانت مثل الروبوت حتى غادر العم بريم. ثم حاول الابتعاد دون اندهاش، لكن والدته صرخت فيه: "هيمانت! فقط أحضر لي باقة الزهور التي أحضرها عمي!"
اختار هيمانت الباقة التي كانت ملقاة على طاولة القهوة وذهب إلى والدته وهو مضطرب وقدماه ترتجفان، لكنها لم تنبس ببنت شفة، وأخذت منه الزهور وبدأت في ترتيبها في مزهرية طويلة من الكريستال. صمت لبرهة... المزهرية الطويلة؟ تلك التي باعها من قبل! كيف عادت إلى المنزل؟ نظر هيمانت حوله بانفعال. لقد عادت مرمدة السجائر، وكذلك الزبدية! كان هذا يعني الكثير جدًا بالنسبة له، فانهار على الأرض وبدأ في البكاء.
"أنا آسف يا أمي، أنا آسف، لن أفعل ذلك مرة أخرى." فانحنت السيدة خانا وأزاحت شعره من فوق جبهته وسألته: "لماذا يا بني؟ لماذا فعلت ذلك؟"
انتحب هيمانت من حكاية أصدقائه والمال الذي احتاجوه جميعًا للاستمتاع معًا. وبينما كان يحاول الشرح، سمع نفسه للمرة الأولى. كم كانت أعذاره واهية! يا لها من أهداف حمقاء! يحاول شراء صداقة بمال أبيه وسرقة والديه لفعل ذلك!
قالت السيدة خانا: "أخبرني غوراف بكل شيء، لكنني كنت أنتظر منك أن تتحدث إلي". مسح هيمانت عينيه، وبينما هو يرفعها إذ رأى قدمي والده بجواره. انتظر بخوف سقوط الضربة عليه، لكن شيئًا من توقعاته هذه لم يحدث. والده علّق: "كان يجب أن أعتبرك محل ثقة يا هيمانت، لكنني كنت دائمًا مشغولًا جدًا. لم أعترف بقدرتك على فهم أن هناك أوقاتًا عسيرة مثلما هناك أوقات يسيرة، ويجب أن نعرف كيف نتعامل مع كليهما".
وقف هيمانت قائلًا: "كنت أنانيًا يا أبي، لم أفكر إلا في نفسي، حتى أنني اعتقدت أن غوراف كان يتدخل. لكن أصبح كل شيء واضحًا بالنسبة لي الآن. الآن أعرف أنه الصديق الحقيقي الوحيد."
 
 

