بين ليلة وضحاها تقريبا، صعدت «الرومانتيزي» (Romantasy) ذلك المزج المحكم بين عوالم الخيال الجامح وقصص
الحب، من هامش «النوع الهجين» إلى صدارة قوائم الأكثر مبيعا، مدفوعة بمحرك اجتماعي
مذهل اسمه «بوك توك» (BookTok). في مطلع 2025، سجل سوق الخيال والخيال العلمي في المملكة المتحدة
نموا بالقيمة بلغ 41.3% مقارنة بعام 2023، والسبب الأبرز كان موجة الرومانتيزي التي
فجرت الطلب على عناوين مثل Fourth Wing لريبكا ياروس.
هذا الصعود ليس حالة موضعية. التقرير الدولي لأسواق الكتاب لعام 2024—الصادر
عن GfK
Entertainment وNielsenIQ BookData بالتزامن مع «معرض لندن للكتاب»،
أظهر أن الرواية هي القاطرة التي تسحب السوق، وأن الرومانسية والخيال تحديدا أديا أداء
فائقا في معظم المناطق. بكلام آخر: الرومانتيزي ليست «صيحة تيك توك» عابرة، بل تحول
سوقي حقيقي يرفع شريحة كاملة من النشر التجاري.
وإذا أردنا مقياسا يظهر رسوخ الظاهرة في العادات القرائية الجماهيرية، فحسب
The Week شكلت الرومانتيزي
في عام 2024 «ربع» قائمة نيويورك تايمز للكتب الخيالية المجلدة الأكثر مبيعا، رقم يصعب
تجاهله في سوق يزاحم فيه الأدب البوليسي والإثارة والخيال العلمي.
على مستوى الأسماء، تحولت سارة ج. ماس إلى «ظاهرة داخل الظاهرة»: روايتها
House of
Flame and Shadow تصدرت القوائم في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة
وأستراليا عند صدورها في فبراير 2024، ودفعت ناشرها «بلومزبري» لتحسين توقعات الأرباح.
نجاح يعكس أن الرومانتيزي ليست موجة «مستقلة» بل صارت ركيزة في موازنات الدور الكبرى.
عام 2025 زاد التأكيد بالأرقام: قوائم صنداي تايمز لمنتصف العام في المملكة
المتحدة تبين أن الرومانتيزي تهيمن، وأن Onyx Storm لريبكا ياروس باعت أكثر من
280 ألف نسخة حتى أغسطس—إنجاز يوضح عمق التحول، لا مجرد ضوضاء تسويق.
لكن ما الذي يميز الرومانتيزي سرديا حتى تمسك بوجدان القراء إلى هذا الحد؟
ببساطة: «وعد الإشباع العاطفي» ضمن عوالم فائقة التخييل. يقدم النوع بطلات وبطلان ذوي
قوس نفسي واضح، نزاعات وجودية وملاحم قتال، وفي النهاية علاقة حب تكلل غالبا بنهاية
مرضية. هذا التركيب يوائم الحاجة إلى الهروب (escapism) مع الحاجة إلى التعاطف والتمكين، في زمن مثقل
بعدم اليقين. وحين يلتقي هذا الوعد مع آليات توزيع اجتماعي هائلة مثل #BookTokحيث المقاطع القصيرة، وردود
الفعل، و«طبعات حصرية» تشبع ثقافة الجمع، تولد حلقة فاضلة من الترويج العضوي لا تستطيع
الإعلانات التقليدية مجاراتها.
الطريق من «بوست فيروسي» إلى «صفقات من سبعة أرقام» بات مختصرا: تقرير وول
ستريت جورنال في أغسطس 2025 حكى كيف قفزت رواية رومانتيزي مستقلة بعنوان Dire Bound من نشر ذاتي
إلى صفقة تقارب المليون مع Hachette بعد زخم TikTok وInstagram خلال 90 يوما
فقط، وبيعت حقوقها في 17 لغة. هكذا تعمل «آلة الرومانتيزي» اليوم: مجتمع رقمي شديد
الفاعلية يختبر النصوص، ثم ناشر مرن يلتقط المؤشرات ويضخها عالميا.
وليس «بوك توك» مجرد لافتة؛ بيانات Circana في منتصف 2024 سجلت ارتفاعا
بوحدات مبيعات الخيال للكبار بنحو 5.6 ملايين نسخة مقارنة بالعام السابق، مع مساهمة
واضحة لعناوين الرومانتيزي في هذا الارتفاع. هذا النوع لم «يصنع» رقميا فقط؛ إنما يباع
ورقيا بقوة أيضا، وخاصة عبر طبعات بغلاف جذاب وحواف ملونة و«هدايا مضافة» تشعل شغف
الجمع.
على ضفة النقد، تثار أسئلة حول «تجانس» الصيغ السردية، و«تسليع» العلاقة الرومانسية،
أو طغيان المشاهد الحميمية على بناء العالم. لكن حتى هذه التحفظات لا تنقص من قيمة
المؤشر الثقافي: الرومانتيزي أعادت توزيع الأدوار بين القارئ والناشر والكاتب. القارئ
صار «مبرمج ذائقة» من خلال الفيديوهات القصيرة والمراجعات الجماعية؛ والناشر بات ينظر
إلى المنصات بوصفها مختبر طلب في الزمن الحقيقي؛ والكاتب—خصوصا المستقل—امتلك طريقا
مرئيا إلى جمهور عالمي دون وسيط تقليدي طويل.
دلالات الظاهرة عربيا تستحق التأمل. من جهة الفرص: تمتلك دور النشر العربية
نافذة لاستقطاب حقوق الترجمة بسرعة أكبر، واستهداف جيل شاب يتابع «بوك توك» عربيا وعالميا.
ومن جهة التحفظ: ستحتاج الصناعة إلى تكييف حساس مع القيم المحلية، وإلى تحرير يحافظ
على جوهر النوع دون كليشيهات، ويطور بدائل فنية عن الإفراط الوصفي. كذلك ثمة فرصة تربوية:
استثمار الزخم لصناعة محتوى نقدي يشرح «كيف» تعمل هذه السرديات، و«لماذا» تقنع، بدل
الاكتفاء برفض أخلاقي أو احتفاء تسويقي.
خلاصة القول: الرومانتيزي ليست «موضة» بل علامة على عصر تحدده المنصات وتعيد
فيه الجماهير هندسة السوق. حين تجتمع رغبة القارئ في العزاء العاطفي بعوالم تخييلية
رحبة، وتوفر الخوارزميات جسورا سريعة بين النصوص والجماهير، يخرج نوع هجين ليصبح ظاهرة.
والأرقام، من نمو فئات الخيال، إلى صفقات تدخل اللغات العالمية، إلى هيمنة على قوائم
منتصف 2025، كلها تقول إن موجة الرومانتيزي لم تبلغ ذروتها بعد.
المراجع المعتمدة:
• تقرير The Guardian عن قفزة
41.3% في مبيعات الخيال/الخيال العلمي خلال 2024 بدفع من الرومانتيزي. (The Guardian)
• تقرير GfK/NielsenIQ في «معرض لندن
للكتاب 2024» حول أداء الرواية وتفوق الرومانسية والخيال. (gfk-entertainment.com)
• The Week: ربع قائمة نيويورك تايمز الخيالية لعام
2024 من الرومانتيزي. (The Week)
• WSJ: انتقال Dire Bound من نشر ذاتي إلى صفقة من سبعة
أرقام بعد زخم BookTok. (Wall Street Journal)
• The Sunday Times (نقلا عن Nielsen BookScan): صدارة Onyx Storm لمبيعات
2025 حتى منتصف أغسطس. (The Times)