فصل النهايات
سيدة بك براهم | تونس
هنا... من هنا تكون البدايات... وإلى هنا نعود لنُعلن النهايات... نهايات لبدايات كانت وهمية.. عدت اليوم لأُطفئ شعلة نور زائف... عدتُ هنا
لأُحرِق أشعاري وكتبي، لأُخمِد صدى صوتي... أدركت يقينًا أنه لا جدوى من الذكريات، لا جدوى من الحب، لا جدوى
من الألم...
ولا تنطفئ
الذكريات إلا بإحراقها ونسفها في يمّ النسيان...
لا صوت
يعلو باسم الحب، ولا حسيس يرتجف باسم الشوق... فهل ترى الدمع يخذلني مرة ليُطفئ نارًا أحرقت أحرفي وأخمدت أنين
روحي؟
كنت أعود
في كل مرة هنا لأُعلن تاريخ ميلاد جديد...
ما كل هذا
الضجيج؟ ضجيج من حولي، وضجيج من جوفي...
أريد أن
أوقف كل هذا الضجيج... أريد أن أوقف الزمن لبرهة، أن أُسكت العالم لوهلة، لأُطلق العنان
لصرخة.. صرخة أثقلت مهجتي وأمسكت أدمعي...
هراء..
هراء.. ما هذا عشق؟ هراء... خشيتُ الخذلان مرة، فأصابتني لعنته ألف مرة... وكم مرة سقطت... وكم قيدًا
أدمى معصمي، وكم علقمًا تجرعت مره في خفيّتي...
كان فصل
النهايات دائمًا قريبًا...
حتى تاريخ
ميلادي اتخذ من اليوم ليله، واتخذ من المواقيت آخره...
انتصف
الليل، وأطلقتُ أنا الصرخات.. وكأنه كُتب لأشيائي الانتصاف على الدوام، وكأنه كُتب
لأموري عدم التمام، لتبقى عالقة في المنتصف... وكأنه كُتب لحياتي بأن تكون ظلامًا دائمًا لا يشرق إلا بصرخات
الألم…
حتى وأنا
أخطّ لوعتي، جنّ ليلي وعمّ الظلام الآن... الآن...
لا أحد
يسمعني... لا أحد يُنجدني... علّ الصخر الذي يجاورني حنّ لأنين صرختي.. علّه لان من رحيق
أدمعي المنسكب على الأسطح...
في كل مرة
كنت أعود إلى هنا، أشغل معزوفة ألمي وأستمع إلى موسيقاي، وأقطع العهد أنني في كل
مرة لن أحب مرة...
أما اليوم،
فقد قطعت العهد هذه المرة بأن لا أحب مطلقًا...
حين نعقد
للنهايات موعدًا، لا بدّ أن نحترم الموعد، وأن نؤدي طقوس اللقاء على أكمل وجه، حتى
نُشفى تمامًا ونتحرر تمامًا من أنفسنا...