📁 تدوينات جديدة

المفتش التربوي فاعل في تنفيذ السياسة التربوية: من الرقابة البيداغوجية إلى التأويل الميداني 丨 حسن امحيل

المفتش التربوي فاعل في تنفيذ السياسة التربوية: من الرقابة البيداغوجية إلى التأويل الميداني 丨 حسن امحيل

حسن امحيل 丨 المغرب

المقدمة

تشكل السياسة التربوية دعامة أساسية لأي مشروع مجتمعي يسعى إلى بناء الإنسان وتأهيله للانخراط الفعال في التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وإذا كانت الوثائق المرجعية الكبرى (كالميثاق الوطني للتربية والتكوين، والرؤية الاستراتيجية 2015–2030) ترسم معالم هذه السياسة وتحدد مقاصدها العامة، فإن فعاليتها تظل مرهونة بقدرتها على التحول من مستوى التخطيط المركزي إلى حيز الممارسة اليومية داخل المؤسسات التعليمية. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية الفاعلين التربويين الذين يُناط بهم تفعيل هذه السياسات في الميدان، ومن بينهم المفتش التربوي باعتباره فاعلا محوريا في ترجمة التوجيهات إلى أفعال.


لقد ظلت النظرة التقليدية إلى المفتش التربوي محصورة في كونه مراقبا بيداغوجيا يتتبع أداء الأساتذة ويُعد التقارير، غير أن التحولات التي عرفها الحقل التربوي، سواء على المستوى المؤسساتي أو البيداغوجي، أفرزت أدوارا جديدة لهذا الفاعل، حيث بات يُنظر إليه كوسيط بين القرار المركزي والواقع المحلي، وكمنتج للمعرفة الميدانية، وكرافعة لتجويد الفعل التربوي من خلال التأطير والمصاحبة والتقويم.


إن استحضار المنظور السوسيولوجي للفعل العمومي، كما صاغه كل من Lascoumes وLe Galès (2004)، يتيح مقاربة جديدة لدور المفتش، ليس فقط كمنفذ لتوجيهات جاهزة، بل كمؤول فاعل يعيد صياغة السياسة التربوية وفق السياقات المتغيرة والحاجات الفعلية للمؤسسة التعليمية. فوفقا لهذا المنظور، لا تُنفذ السياسات العمومية بشكل آلي، بل تتم "إعادة ترجمتها" من طرف الفاعلين الذين يشتغلون على أرض الواقع، مما يمنح للمفتش دورا مركزيا في ربط النص بالممارسة، وفي ضمان التفاعل المتوازن بين مقتضيات المركز وخصوصيات المحيط التربوي.


وعليه، يسعى هذا البحث إلى تحليل الأدوار المتعددة التي يضطلع بها المفتش التربوي في سياق تنفيذ السياسة التربوية، وذلك من خلال ثلاث مستويات أساسية: أولا، دور المفتش في التأطير والمواكبة والتكوين؛ ثانيا، موقعه كوسيط مؤسساتي بين الإدارة المركزية والفاعلين المحليين؛ وثالثا، إسهامه في إعادة صياغة السياسات التربوية وفق منطق تشاركي ومجالي. ويستند هذا التحليل إلى مجموعة من المراجع النظرية والممارسات الميدانية التي تبرز التحول العميق في تمثل وظيفة التفتيش، من منطق الرقابة إلى منطق الفعل التأويلي التشاركي.


1.   تنفيذ السياسات التربوية: من النص إلى الممارسة


لا يُمكن فهم فعالية السياسة التربوية من خلال دراسة النصوص الرسمية وحدها، إذ لا تكفي الوثائق الاستراتيجية في حد ذاتها لضمان تحولها إلى ممارسات يومية داخل الفصول الدراسية. إن الفجوة القائمة بين التخطيط المركزي والتنزيل الميداني تشكل تحديا بنيويا في أنظمة التربية، خاصة في السياقات التي تتسم بتعدد الفاعلين وتنوع الحاجات المحلية. في هذا الإطار، تسعى سوسيولوجيا الفعل العمومي إلى مساءلة كيفية انتقال السياسات من مستوى الإقرار إلى حيز الإنجاز، حيث تعتبر أن السياسات العمومية لا تُنفّذ فحسب، بل تُعاد ترجمتها وتأويلها باستمرار من طرف الفاعلين في الميدان [1].


‌أ)    من مركزية النص إلى تعددية التأويل


إن الخطابات الرسمية، سواء في شكل خطط استراتيجية أو إصلاحات قطاعية، غالبا ما تنطلق من منطلقات معيارية ترسم معالم "المدرسة المنشودة"، كما هو الحال في الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999) والرؤية الاستراتيجية 2015–2030، غير أن هذه النصوص تبقى محكومة بمنطق التعميم، الذي يُغفل في كثير من الأحيان الخصوصيات المجالية والمؤسساتية. وهنا تتجلى أهمية الفاعلين التربويين، وفي مقدمتهم المفتش التربوي، كحلقات وصل بين الإطار المرجعي الوطني والواقع المدرسي المتعدد والمتغير.


المفتش التربوي لا يكتفي بقراءة النصوص، بل يعمل على تأويلها وفق معطيات الحقل: البنيات التحتية، التكوينات المتوفرة، المستوى المهني للأساتذة، الديناميات المحلية، إلخ. هذا التأويل لا يعني تحريفا عن المقاصد، بل هو إعادة تشكيل وظيفي يمكّن من جعل السياسة قابلة للتنفيذ في سياقات متباينة. وهو ما يعيد الاعتبار للممارسة باعتبارها فعلا مركبا يستلزم فطنة بيداغوجية ومهارات تواصلية وقدرة على التفاوض والتكييف.


‌ب)    من التوجيه إلى التفاوض: إعادة تشكيل السياسة في الميدان


يُمارس المفتش التربوي سلطته المهنية من خلال عمليات متكررة من التكييف السياقي (contextualisation) التي تمكنه من تنزيل السياسة التربوية دون الإخلال بجوهرها، مع الحفاظ على منطق الملاءمة. وتستند هذه العملية إلى تفاعلات مباشرة مع المدرسين، والمديرين، والفاعلين المحليين، حيث تنشأ علاقة أفقية تُبنى على الثقة والتبادل، أكثر من كونها علاقة تراتبية عمودية.


وفقا لما بيّنه Van Zanten (2014)، فإن الفاعلين في الحقل التعليمي يساهمون، عبر ممارساتهم اليومية، في إعادة بناء السياسة العمومية بشكل غير مباشر، من خلال "سياسات محلية" تعكس الواقع اليومي أكثر مما تعكس الخطابات الرسمية. في هذا السياق، يتحول المفتش إلى فاعل مفصلي، يجمع بين الدور التنفيذي والدور الاقتراحي، بل يُمكن القول إنه يمارس سلطة "إعادة كتابة السياسة" بطريقة مرنة ومتكيفة.


‌ج) منطق التفاعل بدل التطبيق


يُبيّن تحليل الوثائق التربوية الرسمية أن الإصلاحات لا تأخذ دائما بعين الاعتبار تعقيد السياق المدرسي، مما يجعل تنفيذها الفعلي رهينا بمستوى معين من "الاجتهاد المحلي "(local agency). وتكمن أهمية هذا الاجتهاد في أنه لا يقف عند حدود تطبيق التعليمات، بل يتطلب تملكا نقديا للنص، وقدرة على التوسط بين التوجيهات والممارسات. هنا بالضبط يتجلى دور المفتش كفاعل ذي كفاءة تأويلية، وهو ما يعيد الاعتبار إلى خبرته المهنية المتراكمة، وإلى موقعه المتميز في النظام التربوي.


وعليه، فإن الانتقال من النص إلى الممارسة لا يمكن أن يتم إلا عبر تدخل فاعلين يمتلكون القدرة على تحويل الرؤية الاستراتيجية إلى ممارسات إجرائية، والمفتش في هذا الصدد ليس مجرّد ناقل للتعليمات، بل هو معمار ماهر يُعيد تشكيل البناء البيداغوجي وفقا لما تتيحه الظروف الموضوعية للمؤسسة.


2. أدوار المفتش في تفعيل السياسة التربوية


يُشكل المفتش التربوي فاعلا رئيسيا في هندسة وتنفيذ السياسات التعليمية، إذ تتعدى مهامه الطابع الإداري الصرف لتلامس أبعادا ميدانية ومعرفية واستراتيجية. فبفضل موقعه التوسطي بين الإدارة المركزية والمؤسسة التعليمية، يتبوأ المفتش موقعا فريدا يتيح له ممارسة أدوار متعددة متداخلة ومتكاملة.


‌أ)    التأطير والمواكبة الميدانية


يتجلى الدور الأول للمفتش في التأطير البيداغوجي، الذي لا يُقصد به فقط المراقبة الكلاسيكية، بل هو فعل تربوي يستهدف إرساء ثقافة الممارسة الجيدة والتطوير المستمر. يقوم المفتش في هذا السياق بزيارات صفية منتظمة، يلاحظ من خلالها سير الدروس، ويحلل الممارسات التربوية، ويوجه الأساتذة نحو تحسين أدائهم بناء على معايير مرجعية واضحة [2].


وقد عرفت هذه المهمة تحوّلا جذريا في العقود الأخيرة، بفعل الانتقال من منطق "الرقابة" إلى منطق "المصاحبة التربوية". فالمفتش اليوم يُنظر إليه كـ"مُرافق مهني" يسعى إلى تعزيز التكوين المستمر داخل الفصل، من خلال حوارات تحليلية، جلسات تغذية راجعة، وورشات تطوير الكفايات. هذه الممارسات تجعل منه شريكا في بناء مهنية الأستاذ، وليس سلطة رقيبة فقط.


‌ب)   الوساطة المؤسساتية بين المركز والمحيط


يكتسي دور المفتش كمُيسّر للتواصل بين مختلف مستويات المنظومة التربوية أهمية استراتيجية. فهو يُعتبر همزة وصل حيوية بين توجهات الوزارة وحاجات المؤسسات. لا تقتصر هذه الوساطة على نقل التعليمات، بل تشمل أيضا نقل نبض الواقع المدرسي إلى صانعي القرار، ما يُضفي على السياسات مسحة من الواقعية والممأسسة التدريجية.


يُمارس المفتش هذا الدور من خلال تقارير دورية، استشارات ميدانية، واجتماعات تنسيقية تُبرز حاجيات التكوين، إكراهات البنية التحتية، أو صعوبات تطبيق البرامج. هذا التفاعل ثنائي الاتجاه ينسجم مع ما وصفه Lipsky (1980) بمفهوم "البيروقراطيين في الخط الأمامي"، أي أولئك الفاعلين القادرين على تعديل أو إعادة توجيه السياسة من خلال معايشة يوميات التطبيق [3].


إلى جانب ذلك، يشتغل المفتش في إطار شبكات مؤسساتية أفقية (المجالس التربوية، الفرق البيداغوجية، الخلايا الجهوية للتكوين) ما يمنحه موقعا يمكنه من تأمين انخراط جماعي، وتحقيق التماسك بين مختلف المبادرات التربوية داخل الجهة أو الإقليم.


‌ج)التكوين والتأهيل المهني


من أهم المهام التي يُضطلع بها المفتش مساهمته في التكوين المستمر، والذي يُعد رافعة أساسية لتنزيل الإصلاحات وتحقيق الجودة. لا يُمكن لأي سياسة تربوية أن تُحدث الأثر المرجو دون مواكبة المدرسين في عملية تملك المستجدات ومواجهة التحديات الصفية المستمرة.


في هذا الإطار، يُصمم المفتشون برامج وورشات تكوينية بناء على تحليل الحاجات الميدانية، ويؤطرون لقاءات موضوعاتية تهم الكفايات التربوية، التدبير البيداغوجي، استعمال الموارد الرقمية، ومقاربة التعلم النشط. هذا التكوين لا يكون نظريا فحسب، بل يتأسس على دراسة حالات واقعية، وتبادل للممارسات الجيدة، مما يمنح للمدرسين أدوات عملية لتجويد الأداء.


كما أن هذا الدور يُعزز وظيفة "إنتاج المعرفة المهنية"، إذ يُسهم المفتش في توثيق التجارب والممارسات الناجحة، ونقلها ضمن شبكات التكوين أو الأدبيات التربوية المحلية، كما أوصت بذلك منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية [4].


‌د)  التقويم والإسهام في تعديل السياسة التربوية


لا تنحصر أدوار المفتش في مواكبة الممارسة، بل تمتد إلى وظيفة تقويمية تُعنى بقياس مدى تقدم المؤسسات نحو تحقيق الأهداف المرسومة. وتستند عملية التقويم إلى مؤشرات كمية (نسب النجاح، المواظبة، نسب التغطية الزمنية) ونوعية (جودة الممارسات، تفاعل الأساتذة، انسجام الخطط التربوية).


ويتم تقاسم نتائج هذه التقويمات مع الجهات المسؤولة في الوزارة أو الأكاديميات، مما يجعل للمفتش دورا اقتراحيا في إعادة توجيه السياسات، أو على الأقل في تعديل بعض آليات تنفيذها. من هنا تبرز أهمية امتلاك المفتش لأدوات تحليل دقيقة، وقدرة على إنتاج تقارير تشخيصية معمقة.


وفي هذا المستوى، يُمارس المفتش نوعا من القيادة التربوية الهادئة، عبر اقتراح حلول واقعية ومبنية على بيانات ميدانية، تسهم في اتخاذ قرارات أكثر نجاعة وعدالة. وهنا تنسجم ممارسته مع ما تؤكده أدبيات الحكم التربوي الرشيد (good governance in education)، والتي ترى في الفاعل الميداني عنصرا أساسيا في تقييم وتجويد السياسات [5].


3. من التنزيل إلى المشاركة في صنع السياسة التربوية

في نظم الحوكمة الحديثة، لم تعد المشاركة في صنع القرار حكرا على النخب المركزية أو الأجهزة الإدارية العليا، بل أصبحت ترتكز على انخراط الفاعلين الميدانيين باعتبارهم منتجين للمعرفة، ومراقبين مباشرين لآثار السياسات العمومية. ويندرج المفتش التربوي ضمن هذه الفئة من الفاعلين الذين يَنتقلون تدريجيا من تنفيذ ما يُملى عليهم، إلى الإسهام الفعلي في رسم السياسات وتكييفها وفقا للمعطيات السياقية.


‌أ)    من التنزيل التقني إلى التملك النقدي


في المقاربات التقليدية، يُنظر إلى المفتش كأداة لتطبيق التوجيهات الوزارية، حيث يُطلب منه تنزيل المذكرات وتطبيق البرامج كما وُضعت. غير أن منطق التسيير العقلاني، وفقا لنظريات الإدارة العامة الجديدة (New Public Management)، يقتضي إشراك الفاعلين في إعداد السياسات، لكونهم الأقدر على تشخيص الأعطاب واقتراح البدائل بحكم احتكاكهم اليومي بالممارسة [6].


إن المفتش التربوي، بحكم تراكم خبرته، واطلاعه على التنوع المجالي والاجتماعي الذي يميز الحقل المدرسي، يمتلك قدرة تأويلية عالية تمكنه من قراءة السياسة في ضوء الواقع، بدل الاكتفاء بفهمها في ضوء النص. وهو ما يؤهله للانتقال من دور المنفذ إلى دور الناقد البنّاء والمُقترِح النشيط.


‌ب)   السياسة المحلية: مدخل تكاملي لصناعة القرار


تُشير الأدبيات التربوية الحديثة إلى مفهوم "السياسة التربوية المحلية" كصيغة من صيغ الدمقرطة التربوية، حيث تُبنى القرارات التربوية انطلاقا من تشخيص محلي وتخطيط تشاركي، تشترك فيه الأطر الإدارية، هيئة التدريس، المفتشون، وأحيانا الجمعيات الفاعلة في مجال التربية (OCDE, 2005).


في هذا السياق، يضطلع المفتش بدور مركزي في بلورة مشاريع المؤسسات التعليمية، وهي آليات لتفعيل الاستقلالية التربوية وتنفيذ السياسات على نحو يراعي الحاجات المحلية. يساهم في إعداد هذه المشاريع من خلال تحليل الوضعيات، تشخيص الاختلالات، وتقديم اقتراحات مبنية على معطيات كمية ونوعية.


إن هذا الانخراط الفاعل في التخطيط المحلي يُمكّن المفتش من نقل الواقع إلى مركز القرار، ويجعل من حضوره عامل توازن بين التوجهات الاستراتيجية والطروحات الميدانية. وفي كثير من الأحيان، يشكل تدخل المفتش إطارا لتجريب الحلول وتقييمها، مما يُكسب السياسة مرونة ويُضفي عليها طابع القابلية للتحسين المستمر.


‌ج) من فاعل منفذ إلى شريك في البناء


يتحول المفتش التربوي، وفق هذا المنظور، إلى فاعل استراتيجي يُمارس نوعا من القيادة الميدانية، إذ لا يكتفي بتطبيق التعليمات بل يُعيد إنتاج السياسة وفق شروط بيئية ومهنية معقدة. هذه القيادة تتطلب منه كفاءات تحليلية وتواصلية، بالإضافة إلى القدرة على التنسيق بين مختلف المتدخلين، وإقناعهم بأهمية المشاريع التي يرعاها.


إن الشرعية التي يكتسبها المفتش في هذا المستوى لا تنبع من موقعه الإداري، بل من قدرته على اقتراح حلول قابلة للتنفيذ، وتكييف النصوص مع الواقع دون الإخلال بجوهرها. هذا هو المعيار الحقيقي لفاعلية السياسات العمومية، كما تؤكده أعمال Lascoumes & Le Galès (2004)، التي تعتبر أن فعالية الفعل العمومي تتجلى في مدى قابليته لإعادة الإنتاج ضمن سياقات محلية متباينة.


الخاتمة


إن تحليل دور المفتش التربوي في تنفيذ السياسة التعليمية يكشف عن تحوّل عميق في تمثل هذه الوظيفة داخل المنظومة التربوية. لم يعد يُنظر إليه باعتباره مجرد حلقة من حلقات المراقبة الإدارية، بل صار يُمثل فاعلا مركزيا في دينامية الإصلاح التربوي، بفضل موقعه الوسيط، وخبرته المهنية، وقربه من الواقع المدرسي المتعدد الأبعاد.


لقد أظهر هذا التقرير أن تنفيذ السياسات التربوية لا يتم بشكل خطي، بل يخضع لعملية تأويل ميداني تُعيد تشكيل السياسة الرسمية بما يتماشى مع الخصوصيات المحلية. وهنا يتجلى الدور الحاسم للمفتش كمُفسِّر ووسيط بين النص والممارسة، وكضامن للانسجام بين أهداف الدولة التعليمية والحاجات الفعلية للمدرسة العمومية.


على هذا الأساس، يمكن تلخيص أدوار المفتش في أربعة محاور استراتيجية:

التأطير والمصاحبة: حيث يتحول من مراقب إلى شريك في تطوير الأداء المهني للأساتذة، من خلال زيارات صفية بنّاءة، تغذية راجعة، وورشات تكوينية.


الوساطة المؤسساتية: إذ يعمل على نقل التوجيهات الرسمية إلى الميدان، وفي المقابل ينقل ملاحظات الواقع إلى مركز القرار، مُكرسا بذلك نوعا من الحوكمة التشاركية.


المساهمة في التكوين المستمر: عبر هندسة برامج تكوينية هادفة ومستجيبة لحاجيات الممارسين.


التقويم والمشاركة في تعديل السياسات: من خلال إنتاج معطيات ميدانية واقتراحات واقعية تؤثر في مسار الإصلاح.


توصيات عملية


إعادة الاعتبار لدور المفتش كفاعل في السياسات التربوية، وذلك من خلال إدماجه في مراحل التخطيط، لا الاكتفاء بتكليفه بالتنفيذ.


توسيع صلاحياته المهنية والتدبيرية داخل المؤسسات، لا سيما في مجالات التقويم والمواكبة التربوية.


توفير موارد لوجستية وتكوينية ملائمة تمكّنه من أداء مهامه بفعالية، لا سيما في سياق التحول الرقمي والتجديد البيداغوجي.


مأسسة آليات التفاعل الأفقي بين المفتشين والمديرين والأساتذة، لتقوية شبكة الفعل التربوي المحلي.


آفاق بحثية ومهنية


يفتح هذا التحليل المجال أمام دراسات معمقة حول كيفية بناء سياسات تعليمية انطلاقا من القاعدة، وعبر مشاركة حقيقية للفاعلين الميدانيين. كما يُمكن التوسع مستقبلا في دراسة أثر تدخلات المفتشين على تحسين جودة التعلمات، والحد من الفوارق المجالية، ومواجهة الإكراهات البنيوية للمدرسة المغربية.


فالمفتش التربوي، في نهاية المطاف، هو حامل لمشروع مجتمعي أكبر من مجرد مراقبة جودة التدريس. إنه فاعل تربوي-سياسي يُجسّد الانتقال من منطق التنفيذ إلى منطق المشاركة، ويمنح السياسات التربوية عمقا إنسانيا وسياقيا لا توفره النصوص وحدها.


بيبليوغرافيا


[1]

P. Lascoumes et P. Le Galès, Gouverner par les instruments, Presses de Sciences Po, 2004.

[2]

F. Ropé et L. Tanguy, Savoirs et compétences: de l’usage de ces notions dans l’école et l’entreprise, ESF Éditeur, 1994.

[3]

M. Lipsky, Street-Level Bureaucracy: Dilemmas of the Individual in Public Services, R. S. Foundation, Éd., 1980.

[4]

OCDE, Teachers Matter: Attracting, Developing and Retaining Effective Teachers, OECD Publishing, 2005.

[5]

G. S. Becker, Human Capital: A Theoretical and Empirical Analysis. University of Chicago Press, T. U. o. C. Press, Éd., Chicago, 1993.

[6]

A. Van Zanten, Les politiques d’éducation, P. U. d. France, Éd., 2014. 


تعليقات