📁 تدوينات جديدة

المعالجة البيداغوجية: نحو مقاربة شمولية لمعالجة التعثرات الدراسية丨سليم ياسين

المعالجة البيداغوجية: نحو مقاربة شمولية لمعالجة التعثرات الدراسية

الأستاذ سليم ياسين
أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي – المغرب

تمهيد

تُعد المعالجة البيداغوجية من أبرز الآليات التربوية المعتمدة في النظم التعليمية الحديثة لمعالجة التعثرات الدراسية وضمان الإنصاف والجودة في التعليم. فهي تمثل مقاربة بيداغوجية متكاملة تهدف إلى تمكين المتعلم من تجاوز الصعوبات التي تعيق تعلمه واكتسابه للكفايات المرجوة. وقد أصبحت هذه المقاربة ضرورة ملحة في ظل تنامي التفاوتات بين المتعلمين داخل الفصل الدراسي الواحد، خاصة في سياق التحولات السوسيولوجيا والتربوية التي يعرفها المجتمع العربي والمغربي على الخصوص، والتي أثرت بشكل مباشر في البنية المعرفية والحافزية لدى المتعلمين.

فلسفة المعالجة البيداغوجية

تقوم المعالجة البيداغوجية على مبدأ أساسي مفاده أن كل متعلم قابل للتعلم إذا توفرت له الظروف المناسبة مع مراعاة خصوصياته المعرفية والنفسية والاجتماعية. ومن هذا المنطلق، فإن المعالجة لا تُفهم فقط كتدخل بعدي لمعالجة التعثرات، وإنما كعملية تربوية مدمجة في سيرورة العملية التعلِيمية التعلمية، تتطلب تخطيطًا محكمًا، وتوظيفًا دقيقًا لأدوات التشخيص، وتنفيذًا منهجيًا لتدخلات علاجية هادفة.


مراحل المعالجة البيداغوجية

مرحلة التشخيص

ينطلق فعل المعالجة من مرحلة التشخيص، وهي مرحلة جوهرية تهدف إلى الوقوف بدقة على طبيعة التعثرات التي يعاني منها المتعلمون. ويُستعان في هذه المرحلة بمجموعة من الأدوات كالتقويم التشخيصي، والملاحظة داخل القسم، وتحليل أخطاء المتعلمين، وغيرها من الآليات التي تتيح للمدرس تكوين صورة دقيقة عن نوعية الحاجات التربوية التي تستدعي التدخل. ويجب أن يكون التشخيص شاملاً لا يقتصر فقط على الجانب المعرفي، بل يتعداه إلى الجوانب المنهجية والدافعية والنفسية، بما يتيح فهما عميقا للعوامل المؤثرة في التعلم.

مرحلة تخطيط المعالجة

بعد التشخيص، تأتي مرحلة تخطيط المعالجة، حيث يتم إعداد خطة تربوية دقيقة تستند إلى نتائج التشخيص وتراعي الفروق الفردية بين المتعلمين. وتشمل هذه الخطة تحديد الأهداف العلاجية، واختيار الأنشطة والوسائل المناسبة، وتحديد أساليب التقويم التكويني المواكب لكل مرحلة من مراحل التدخل. وتُعد هذه المرحلة من أهم المراحل، إذ يُبنى عليها نجاح التدخل العلاجي أو فشله، وهي تتطلب من الأستاذ كفاءة بيداغوجية عالية، وقدرة على التكييف البيداغوجي المستمر للممارسات التربوية.

مرحلة تنفيذ المعالجة

أما في مرحلة تنفيذ المعالجة، فيُراعى فيها توظيف استراتيجيات تعليمية متنوعة تضمن التفاعل الإيجابي مع المتعلمين المستهدفين، وتساعدهم على إعادة بناء تعلمهم وفق مقاربة نشيطة ودامجة. ومن بين هذه الاستراتيجيات نجد التعليم التفريدي، الذي يسمح بمراعاة الفروق الفردية، والتعليم التعاوني، الذي يتيح فرص التفاعل بين المتعلمين لتجاوز الصعوبات بشكل جماعي، بالإضافة إلى التعلم القائم على المشروع، والبيداغوجيا القائمة على اللعب، والتعلم الرقمي التفاعلي الذي يوفر إمكانات كبيرة للدعم الفردي.

مرحلة التتبع والتقويم

لا تكتمل المعالجة البيداغوجية دون تتبع وتقويم مستمرين لمدى تحقق الأهداف العلاجية. ويستدعي هذا التتبع تقويمًا تكوينيًا مستمرًا يُمَكِّن المدرس من رصد التقدم الحاصل، وتعديل خطة التدخل عند الاقتضاء، مع إشراك المتعلم في تقويم أدائه من أجل تعزيز الوعي الذاتي وتثمين الجهود المبذولة.


تحديات المعالجة البيداغوجية

تواجه المعالجة البيداغوجية عدة تحديات على مستوى الممارسة الصفية. فالاكتظاظ داخل الفصل، وضيق حيز الزمن المدرسي، وغياب التكوين المتخصص والتكوين المستمر لدى عدد من الأساتذة، كلها عوامل تؤثر سلبًا على فعالية التدخلات العلاجية. كما أن نجاح المعالجة يتطلب انخراطًا جماعيًا للمنظومة التربوية، بدءًا من التخطيط البيداغوجي على الوطني إلى التدبير التربوي داخل المؤسسة، مرورًا بضرورة وجود تكامل بين الأستاذ والمستشار التربوي وأولياء الأمور.

خاتمة

وفي الختام، يمكن القول إن المعالجة البيداغوجية ليست مجرد إجراء تقني أو تدخلي طارئ، بل هي فلسفة تربوية قائمة على احترام خصوصية المتعلم والاعتراف بحقوقه في التعلُّم وفق مسارات متعددة، وفي ظروف تراعي قدراته ووتيرته الخاصة. ومن شأن تبني هذه المقاربة بشكل منهجي داخل المؤسسات التعليمية أن يسهم في بناء مدرسة دامجة، قادرة على رفع تحديات الجودة والإنصاف والنجاعة التربوية.

تعليقات