فاطمة موسى وجى | المغرب
مقدمة
في ستينات
القرن الماضي، ظهرت بيداغوجيا التدريس الصريح كمقاربة أحدثت الكثير من التحولات
والتطورات في حقل التربية، وذلك بعد رصد العديد من التفاوتات الدائمة والمستمرة في
مستويات التعلم.
كان
الأمريكي Siegfried ENGELMANN هو أول من
أسس لهذه البيداغوجيا، وأكد فعاليتها في تحسين التعلمات. بعد عقد من إسهامه هذا،
قام Barak ROSENCHINE خبير علم
النفس التربوي، بتطوير التعليم الصريح وحدد خطواته الإجرائية.
التدريس
الصريح هو بالتالي وليد مجموعة من الأبحاث والدراسات حول فعالية التعليم، وقد جاء
نتيجة لملاحظات وتجارب سلطت الضوء على كل العوامل المتدخلة في إنجاح العملية
التعليمية التعلمية.
تعريف التعليم الصريح
لا ينحصر
التعليم الصريح في نقل المعرفة، بل يمنح المتعلم الوسائل والأدوات اللازمة لتملك
المادة المعرفية، ويمكن القول انه مجموعة من الممارسات التربوية التي تقوم على عدة
مبادئ، أساسها التعليمات الواضحة والصريحة، التي تبرز إلى النور كل ما يجب تعلمه
وطريقة تحقيق ذلك. مصطلح "صريح" يشير هنا إلى السلوكيات والمهارات
المرئية للمدرس والمتعلمين على حدّ سواء.
التعليم
الصريح هو تعليم مباشر يضم سلسلة من الخطوات الداعمة والمساندة التي توفر للمتعلم
نوعا من الإرشاد طيلة سيرورة التعلم، عبر شروحات وتعليمات واضحة، وهو بالتالي
ترتيب لممارسات بيداغوجية، تتأسس على بنية مبدئية لسير الحصص، تنطلق من الأهداف
وكفايات مجزأة يتم تحقيقها عبر مراحل محددة.
إضافة إلى
ذلك، يعدّ التعليم الصريح مقاربة تتيح التفاعل بين المدرس والمتعلم، من خلال وصف
دقيق وواضح للمفاهيم، ممارسات موجهة متكررة ومكثفة، وتغذية راجعة تقلص من الفوارق
المدرسية وتدعم المتعثرين.
لماذا التصريح في التعليم؟
منذ عقدين
من الزمن، أصبح التعليم الصريح مطلبا يلحّ بشدة، إلى أن صار ضرورة نتجت عنها
توجيهات جديدة في تأليف البرامج والمناهج الحديثة، الخاصة بالتعليمين الابتدائي
والإعدادي في المواد الأساسية، شرط أن يشمل التصريح مختلف المنهجيات والوسائط التي
تضمن تحقيق الكفايات المسطرة.
من هذا
المنطلق، وجب أن يرتكز تكوين الأساتذة على إلزامية التعليمات الواضحة التي تصرّح
بكل ما يجب عمله من قِبل المتعلمين، بيد أن هذا الأمر قد يصطدم بصعوبات ذات طبيعة
"منطقية" وأخرى "ديداكتيكية". العائق المنطقي يتلخص في كون
تمرير مضمون صريح يستوجب في البداية التصريح بالمصطلحات التي من خلالها سيمرّر هذا
المضمون. ديداكتيكيا، إذا صرّح المدرّس بأهداف نشاط ما، فهناك احتمال أن يفقد هذا
النشاط أهميته بالنسبة للبعض، وبالتالي، تتضاءل القدرة أو الرغبة في تطويره من قبل
المتعلمين. وعليه، يجب الحفاظ على هامش من التحفظ، على حساب تصريح
"شامل" يضاعف من شفافية المعارف، والغاية هنا الفصل بين المعرفة
التلقائية والمعرفة العلمية التي تتطلب المنطق، الملاحظة، التجريب والتحليل.
كيف يتحقق التصريح في التعليم؟
الأساس في
المقاربة الصريحة هو التصريح بالعمليات الإجرائية، ولعلّ أنجع طريقة لذلك هي شرح
كل الخطوات لتحقيق مهمة ما، مع الحفاظ على بناء هذه الخطوات واحترام تسلسلها
المنطقي.
في القراءة
مثلا، يتم الانطلاق من تملك الصوامت والصوائت، ثم قراءة المقاطع والكلمات، لأن
المتعلم الذي لا يبلغ هذه المرحلة، سيواجه حتما صعوبات في مهام أخرى مركبة، كقراءة
النصوص وفهمها. لهذا يتم تأطير سيرورة التعلم القرائي بدءا بمهارتي فك الرموز
والطلاقة، وصولا إلى مستويات أعلى تشمل مهارات التفكير والاستنتاج وتحليل النصوص
القرائية.
كخلاصة،
يمكن الحديث عن تعليم صريح حين يعلم المتعلم مسبقا: ما يجب فعله -ماذا سيتعلم -كيف
سينجز مهامه -المعارف أو المهارات التي سيكتسبها.
استراتيجيات التعليم الصريح
يمكن
تلخيصها في النقط الآتية:
-التخطيط
من خلال تسطير أهداف واضحة، قابلة للقياس، وبناء منهجي لمراحل تحقيق هذه الأهداف،
شريطة أن يضمن ذلك مبدأ التدرج المعرفي؛
-الوضوح
المعرفي: المدرّس على علم مسبق بتوجهاته، والمتعلم له وعي بالأهداف التعلمية
والأدوات المتوفرة لتحقيقها؛
-ضمان
الانتباه لدى المتعلم: يتحقق بالتركيز على المعطيات الأساسية التي تحتاج إلى فهم
أو حفظ، وبالتالي تخفيف الحمولة المعرفية وتجنب تشتيت انتباه المتعلم بكثرة
المهام؛
-الممارسة
المكثفة: التمرين المتكرر (أسبوعي -شهري) يضمن نوعا من الاستقلالية عبر تملك
التقنيات على المدى البعيد، جرّاء تقوية الوعي ومن ثمّ ما وراء المعرفة؛
-دور
المدرس الذي يتسم بالشمولية حيث لا يقتصر على التقديم والتلقين، بل يتجاوز ذلك إلى
الإرشاد والدعم والمواكبة والتحفيز؛
-استعمال
الوسائط الرقمية في تقديم الحصص.
المبادئ الأساسية في التعليم الصريح
-الدور
الفعال للمدرس باعتباره محركا للتغيير، يسائل، ينمذج، يرشد، يشرف، يحفز ويراقب
مستويات الفهم والتملك؛
-تجزيء
المحتوى المقدّم؛
-الانطلاق
من البسيط إلى المركب؛
-الرصد
المسبق للمراحل الأساسية لاكتساب أي مفهوم، مع التعريف بمختلف المهارات المتدخلة،
ذلك أن كل نشاط بيداغوجي محدد يكون موجها لاكتساب معرفة أو مهارة محددة. كمثال على
ذلك، طرح أسئلة للفهم حول نص قرائي ليس بالضرورة تعليما صريحا لفهم النصوص، لأن
الأخير يتطلب التمكن من عدة استراتيجيات مثل التوقع، التحقق، الاستنتاج...مثال آخر،
حفظ الأناشيد لا يجب اعتباره تعليما صريحا للوعي الصوتي؛
-بنيوية
الحصص: التعليم الصريح يشير إلى اعتماد مجموعة من المقاربات الموجهة من قِبل
المدرس، تنطلق من الشرح والتوضيح وتنتهي بالتغذية الراجعة والدعم.
يمكن إجمال
الخطوات المؤسسة لكل حصة من حصص التعليم الصريح في المراحل التالية:
§ افتتاح الحصة
§ النمذجة (يمارسها المدرس)
§ ممارسة موجهة (يمارسها المتعلمون بتدخل ومساندة من
المدرس)
§ ممارسة مستقلة (يقوم بها المتعلم)
§ اختتام الحصة
أي دور للمدرس في التعليم الصريح؟
هو دور
محوري لا محالة، المدرس يعمل كمرشد، ينظم وينسق كل خطوة من خطوات التعلم، مهمته
الأساسية هي الإفصاح عن الأهداف والاستراتيجيات وكذا سيرورات التعلم. يضاف إلى ذلك
التدبير الفعال لسلوكيات المتعلمين، كونه هو من يؤسس لبيئة تعليمية يتطور فيه
المتعلمون ويسايرون، كلّ حسب وتيرته الخاصة. كما أن المدرس يوفر معالجة فورية
للأخطاء المرتكبة والمترددة.
المدرس في
البيداغوجيا الصريحة يرشد إلى الهدف، يوضح طرق بلوغه، يشجع ويساعد على تجاوز
العقبات التي تعترض تحقيق الهدف.
خاتمة
أضحى
التعليم الصريح مركز اهتمامات الأبحاث التربوية، والتي أثبتت فعاليته في السنوات
الأخير، هذه الفعالية التي تقاس بتحسن ملحوظ في التعلمات، دون إغفال دوره الأكيد
في تقليص الفوارق بين المتعلمين.
مع ذلك، قد
يؤدي الاهتمام المتزايد ببيداغوجيا التصريح، وتعميم العمل بها إلى نتائج عكسية،
حين يصبح التعليم بشفافيته المبالغ فيها، مفتقرا إلى المحرك الأساسي لكل رغبة في
التعلم، وهي "الفضول"، لذلك يبقى توخي الحذر في اعتماد هذه المقاربة
أمرا مطلوبا لضمان استمراريتها ودوام فعاليتها ونجاعتها.