📁 تدوينات جديدة

الدورة الأولى لمهرجان موسيقى الطفولة: براعم تتألق في العزف والغناء

الدورة الأولى لمهرجان موسيقى الطفولة: براعم تتألق في العزف والغناء

ابتهاج شامخ | تونس

تُعد المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية الموجهة للأطفال من أبرز المحطات التي تساهم في صقل مواهب الناشئة وتنمية قدراتهم الإبداعية في مختلف المجالات. في تونس، تتنوع هذه التظاهرات بشكل لافت، إذ تشمل مجالات عديدة كالمسرح والسينما والرسم والرياضة وغيرها من الأنشطة التي تهدف إلى خلق فضاء ترفيهي وتكويني متكامل للطفل. هذه التظاهرات تساعد في تعزيز مهارات الأطفال وتنمية قدراتهم العقلية والفنية، مما يسهم في تنمية شخصياتهم. وفي هذا السياق، شهد المركز الثقافي والرياضي للشباب ببن عروس، الواقع في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، حدثًا فنيًا متميزًا يحمل بُعدًا إبداعيًا جديدًا مخصصًا بالكامل لعالم الطفولة، وهو الدورة الأولى من مهرجان موسيقى الطفولة. انتظم المهرجان يومي 22 و23 فيفري، حيث تم تقديم مجموعة من الأنشطة والفعاليات التي ساهمت في إضفاء جو من البهجة والإبداع على الأطفال المشاركين، مما يعكس الاهتمام الكبير بتطوير قدراتهم الإبداعية.

الدورة الأولى لمهرجان موسيقى الطفولة: براعم تتألق في العزف والغناء

هذا الحدث يعتبر الأول من نوعه في تونس، وهو ثمرة مجهودات رابطة شعراء سيكا، التي أخذت على عاتقها تنظيم هذا المهرجان، بإشراف مباشر من فنان الطفولة سامي دربز. اسم ارتبط منذ سنوات بعالم الأطفال من خلال ألحانه التي صاغها بحب وصدق، وأنشطته المتنوعة التي استهدفت الطفولة بالأساس، إلى جانب أحلامه الكبيرة بإنشاء مشروع موسيقي متميز وموجه للطفل بشكل حصري. هذا الحلم تحول أخيرا إلى واقع، عبر مهرجان موسيقى الطفولة، الذي جاء ليملأ فراغا في المشهد الثقافي التونسي ويقدم للأطفال نافذة حقيقية للتعبير عن مواهبهم الموسيقية والغنائية.

تميزت الدورة الأولى من مهرجان موسيقى الطفولة ببرنامج ثري وتنافسي، حيث ضم مجموعة من المسابقات الرسمية التي استقطبت عددا كبيرا من الأطفال المشاركين. من بين هذه المسابقات، نجد مسابقة الغناء الفردي والجماعي، التي منحت الأطفال فرصة للوقوف على خشبة المسرح وأداء أغنيات اختاروها بأنفسهم أو أُعدت خصيصا لهم. كما شملت التظاهرة مسابقة العزف على آلات موسيقية متنوعة، بما في ذلك البيانو، والكمان، والعود، والجيتار، وغيرها. ومن بين الفقرات المتميزة أيضا، كانت هناك مسابقة الأغنية المصورة، حيث عرضت إنتاجات فنية مصورة من إبداع الأطفال، مما أضفى على المهرجان لمسة سينمائية جميلة.

الدورة الأولى لمهرجان موسيقى الطفولة: براعم تتألق في العزف والغناء

تمثلت المسابقة الرابعة في مسابقة الإنتاج الموسيقي الخاص، حيث أتيحت للأطفال الفرصة لتقديم إنتاجاتهم الموسيقية الخاصة، سواء في الألحان أو الكلمات أو الأداء، مما أبرز قدرتهم على الابتكار وصناعة موسيقاهم بأنفسهم. هذا التنوع في المسابقات يعكس إيمان المنظمين بأهمية فتح المجال أمام جميع أشكال الإبداع الموسيقي، ومنح الفرصة لجميع الأطفال، بغض النظر عن اهتماماتهم أو مستوياتهم العمرية، للتعبير عن مواهبهم. مثل هذا النوع من المسابقات يعزز الثقة بالنفس ويشجع على الإبداع الفني، ويعكس التزام المنظمين بتشجيع تطوير القدرات الفنية لدى النشء.

لكن مهرجان موسيقى الطفولة لم يكن مجرد منافسة فنية، بل كان فضاء مفتوحا للتعلم والاكتشاف. فقد تضمن البرنامج ورشات تكوينية متنوعة استمرت طيلة يومي المهرجان، وشملت فضاءات المركز الثقافي، داخليا وخارجيا. ومن بين هذه الورشات، برزت ورشة الإيقاظ الموسيقي، التي تعرف خلالها الأطفال على أسس الموسيقى بطريقة مبسطة تجمع بين اللعب والتعلم. كما نظمت ورشة الكتابة الغنائية، حيث تعلم الأطفال كتابة كلمات أغنياتهم بأنفسهم، مع التركيز على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بشكل إبداعي.

أما ورشة التدريبات الصوتية، فقد ركزت على تمارين تقوية الصوت وتحسين الأداء الغنائي، بينما حملت ورشة الرسم بمخيال موسيقي فكرة مبتكرة جمعت بين الفن التشكيلي والموسيقى، حيث استمع الأطفال إلى مقاطع موسيقية مختلفة، ثم عبروا عنها بالرسم والألوان. هذا الدمج بين الفنون كان بمثابة تجربة فريدة للطفل، سمحت له بالتعبير الإبداعي الحر، بعيدا عن القوالب التقليدية.

الدورة الأولى لمهرجان موسيقى الطفولة: براعم تتألق في العزف والغناء

إلى جانب هذه الورشات، حرص المنظمون على إدراج فقرات تنشيطية متنوعة، تضمنت ألعابا ومسابقات خفيفة وأغنيات جماعية، بهدف خلق جو من الفرح والمرح، يعزز من تفاعل الأطفال مع الحدث ويجعلهم يشعرون بأنهم جزء أساسي من المهرجان، وليسوا مجرد متفرجين.

في اليوم الثاني من المهرجان، أقيمت حفل اختتام كان بمثابة تتويج لهذه التظاهرة الفريدة. وتم خلاله الإعلان عن النتائج النهائية للمسابقات، حيث تم تكريم الفائزين في مختلف الفئات، وسط أجواء احتفالية مليئة بالتصفيق والزغاريد وفرحة الأطفال وأوليائهم. ولم يقتصر الحفل على توزيع الجوائز فقط، بل شهد أيضا تكريم عدد من الفنانين الذين قدموا إسهامات بارزة في مجال أغنية الطفل، سواء في تونس أو في عدد من الدول الشقيقة.

ومن بين المكرمين، نجد نادين مليح من المغرب وجمال الدرباسي من الجزائر، إلى جانب أسماء تونسية لامعة تركت بصمتها في هذا المجال. وكان هذا التكريم بمثابة اعتراف بالجهود المبذولة في سبيل إثراء الأغنية الموجهة للطفل، وتشجيعا على مزيد من العطاء والإبداع.

يمكن القول إن الدورة الأولى من مهرجان موسيقى الطفولة كانت ناجحة بكل المقاييس، سواء من حيث مستوى المشاركة أو تنوع البرنامج أو حجم الحضور، ما جعلها حدثا استثنائيا في أجندة التظاهرات الثقافية التونسية. كما أنها أكدت على أهمية توفير فضاءات متخصصة للأطفال، تتيح لهم التعبير عن مواهبهم في بيئة داعمة وآمنة، تحت إشراف فنانين وخبراء يؤمنون بقدراتهم.

في الختام، يبقى هذا المهرجان خطوة أولى في مشوار طويل، من أجل ترسيخ ثقافة موسيقية موجهة للأطفال، تحترم ذوقهم وتلبي احتياجاتهم وتنمي شخصيتهم الفنية. وهو أيضا رسالة مفتوحة إلى كل الفاعلين في الحقل الثقافي والفني، مفادها أن الاستثمار في ثقافة الطفل هو استثمار في مستقبل البلاد وأجيالها القادمة. فتحية لكل من ساهم في إنجاح هذا المولود الثقافي الجديد، وتحية خاصة لفنان الطفولة سامي دربز، الذي آمن بالحلم وحوله إلى حقيقة، ليهدي الأطفال نافذة تطل على عالم الموسيقى بكل جماله وسحره.

تعليقات