📁 تدوينات جديدة

أدب الطفل ورمضان: قصص نهال الجندي وتغريد النجار أنموذجا | طارق العمراوي

 

أدب الطفل ورمضان: قصص نهال الجندي وتغريد النجار أنموذجا | طارق العمراوي

طارق العمراوي | تونس 

تجربة نهال أحمد الجندي أنموذجا

تجربة نهال أحمد الجندي أنموذجا 

للقاصة نهال أحمد الجندي مدونة قصصية جابت بها عدة إشكاليات، ارتبطت جوهريا بعالم الطفل واحتياجاته، في هذه الفترة الحساسة من تكوينه الحس الحركي والنفسي والاجتماعي، وضرورة تفهمه وإقحامه عبر المشاركة الفعالة والنشيطة في الحياة الأسرية والمدرسية، وفي كل مناشط محيطه الاجتماعي.

وفي هذا الإطار قدمت الكاتبة تجربتين قصصيتين تميزا بالطرافة في الطرح وبالفرادة في اللغة والنصين هما ”الآذان يا رمضان ويا بيسان” و”فانوسي طعمه لذيذ”، وكيف انخرط الأطفال في أجواء هذا الشهر الذي قدمته الكاتبة في النصين كشهر الكرم، عبر مثال الجارة التي حضرت فوانيس صغيرة لتوزعها على جميع أطفال البيت، وهو شهر الرحمة والغفران ونعمل فيه الخيرات لابتغاء مرضاة الله، مع التسبيح والذكر، ولكي نفوز برضا الله مع الكبار والصغار بالقصور، لتقريب الصورة للطفل الذي ينتظر مقابلا ماديا يراه عكس الكبار، إذ تقول الكاتبة في قصة “الأذان يا رمضان يا بيسان”: وبعد انتهاء الصلاة عاد إلى المنزل في سرور، وجهزت أمي ألذ وجبة سحور، سنصوم رمضان ابتغاء مرضاة الله الغفور، ونذكره كثيرا لتبنى لنا في الجنة القصور…” وشهر العبادة ومعه تقاليد إيمانية جديدة، كصلاة التراويح التي نختم فيها القرآن، لتمرر الكاتبة التربية الدينية كالصلاة في جماعة بالبيت، وكيف تقام جماعة بالمسجد، وتعويد الأطفال على تعلم وترديد أدعية الإفطار وبعد الأذان، كما التجأت الأم لتشجيع طفليها على الحفاظ على الصلاة والوضوء للعبة طريفة، انتصرت في الجولة الأولى لينتصرا هما أيضا بعد ذلك.

أما التربية الصحية التي رافقت النصين، فكانت مهمة في هذه السن، فقد بحث الأطفال عن الخضروات والبروتينات في الأكلات المقدمة، كما حضر سليمان فانوس الخضروات المليء بالجزر والكوسة والباذنجان والجرجير… وكان فانوس صبا ألذ فانوس فواكه، به الموز والرمان والبطيخ والتفاح… وتناول التمر بعد الأذان مباشرة كما أمرنا الرسول (ص).

كما عملت الكاتبة على تمرير تربية أسرية وعائلية عبر العديد من الأمثلة، كتقليد ترتيب البيوت والغرف، وتقدير الأطفال للحالة المالية للأسرة وضرورة تفهمه من طرف الأطفال، عبر إشراكهم في التأقلم مع الوضع المالي. وقدمت الكاتبة مثالين هما غلاء الفوانيس وكعك العيد، وكيف استطاعت العائلة مسايرة الوضع. أولا استطاعت الأم أن تجعل الفانوس مشروع أكلة لذيذة، ساهم في إعدادها كافة أفراد العائلة، ثم واصلوا ثانيا نفس الطريقة مع كعك العيد.

كما حضر عالم الكتاب والمطالعة، حيث اختار رمضان من المكتبة المنزلية قصة عن الغزلان، أما بيسان فاختارت كتاب عن طريقة عمل الفستان.

كما ارتبط شهر رمضان بالمسحراتي الذي يجوب شوارع وأنهج المدينة وأزقتها، والسحور كمحطة غذائية في رمضان فقط، تتوارث فيها العائلات عادات قديمة، كما قال رب العائلة في قصة “الأذان يا رمضان يا بيسان”: (سلمت يداك الفول على السحور، تراث من أيام أجدادي…) وتسمية الطفل برمضان له رمزيته في تقديس هذا الشهر الفضيل…

النصان قدما مادة تثقيفية ولغوية تميز كتابات نهال أحمد الجندي وتشد الطفل القارئ، والناقد إذا أراد الاشتغال على أدب الطفل، مع توزيع ذكي للجمل على شاكلة بالونات حوار للقطع الفني والجمالي، مع التقديم الكلاسيكي للفقرات التي تقابلها الصور من الجهة الأخرى… وهكذا وبهذا التنويع يمكننا الترغيب في المطالعة مع غيرها من الإشكاليات المتاحة لعرضها ولتقديمها كمادة إبداعية للطفل.

قصص تغريد النجار أنموذجا

قصص تغريد النجار أنموذجا

تطالعنا الكاتبة تغريد عارف النجار بقصتين يتقابلان في الموضوع الرئيسي ويختلفان في الطرح والتناول، والشخصيات، والأزمنة، والأمكنة.

فعن الموضوع المبسوط للقراءة والتمعن وأخذ العبر والدروس فهو شهر رمضان الذي قدم على أطباق إبداعية ومضمونية ثرية ومختلفة وكتب فيه العديد من الكتاب والقصاصين إلا أن الكاتبة تغريد عارف النجار استطاعت فنيا وبقلمها المبدع ان تطرح الموضوع بطرق مختلفة ومن زاويا متعددة

فعن الأمكنة والأزمنة في القصتين، كانت قرية “لفتا” بفلسطين في قصة “ما المانع” وبمكان ما في الشرق الساحر، نظرا لتواجد المسيحيين والمسلمين في نفس البقعة والمكان في قصة “عندما دق الباب”، وفي قديم الزمان، هذا المفتاح الزمني الذي رافق كتاب القصة الموجهة للطفل، أما المحطة الزمنية فهي شهر رمضان والتحضير له وتقاليده.

ففي قصة ” عندما دق الباب” اقتصرت الأحداث داخل الباب وهو الوضع الطبيعي في شهر رمضان شهر التجميع ولم شمل العائلة أو أمامه أو في الفضاء السماوي أما في قصة ” ما المانع” كانت الأحداث في الغابة وفي شوارع القرية لارتباط القصة وعمودها بعمل المسحر الذي يطوف الشوارع والأنهج لكي تستفيق الناس للسحور قبل آذان الفجر.

أما الشخصيات التي أحدثت بحركتها جلبة ونشاط عبر تفاعل إيجابي مع الزمان والمكان، فكانت في قصة “عندما دق الباب ” العائلة الموسعة والجيران وكل أهالي القرية رجالا ونساء وأطفالا، في قصة “ما المانع” مع شخصيات ملكت وحزت الاهتمام وساهمت في تحريك الأحداث لصالحها كنغم في قصة “عندما دق الباب” وتفاعلها مع السلة العجيبة وصيامها أول مرة يوما كاملا وتزيينها البيت بالفوانيس، وكانت سامية بطلة قصة “ما المانع” الفتاة الشجاعة والمهذبة ذات الأخلاق العالية، وكيف قامت بتعويض والدها المريض واستطاعت أن تحوز رضا أهالي القرية كبارها قبل صغارها.

وككل النصوص المقدمة للطفل، حملت الكاتبة تغريد عارف النجار نصيها محامل عدة ورسائل متعددة يستحسنها القارئ الطفل أولا، ثم المتابع لمسيرة الكاتبة الإبداعية ثانيا، وثالثا كتراكم كمي وكيفي لأدب الطفل وهو يعالج قضايا هذه الفئة الهشة، مقدما إبداعية تراعي تطوره الحس حركي والاجتماعي التفاعلي في هذه السن.

كانت تقاليد هذا الشهر الذي تتوارثه العائلات العربية وغيرها، منذ مئات السنين كحلويات رمضان الفطائر وغيرها من الأكل الجماعي على مائدة واحدة كصورة الإفطار عند عائلة نغم بطلة قصة “عندما دق الباب” إكرام الأطفال، وهو شهر العطاء والتصدق، وعبر مثال تطبيقي وفني جميل عبر فكرة السلة العجيبة، إذ قالت الجدة بعد أن استغرب الجميع وصاحوا ما هذه؟ “أظنني أعرف ما تريد السلة رمضان هو شهر العطاء مثلما أخذنا…” واصل البقية “قلنا بصوت واحد علينا أن نعطي…” أخذ الأطفال الهدايا والحلوى وبالمقابل أحضروا الألعاب والملابس والأطعمة المعدة للتوزيع، وكل هذا سرا تفاديا للإحراج وخدش الحياء والمس بالكرامة، ولأن قيلت في جملة أو جملتين في حديث الكاتبة عن المسحر وطبلته في قصة “عندما دق الباب”، لكنها كانت إحدى ركائز البناء السردي وأهم مفاتيحه في قصة “ما المانع”، إذ تمحورت الأحداث وتشكلت حول عمل المسحر وطبلته، كانت البطلة حاضرة لمواصلة المشوار ووالدها الذي أتقن عمله طيلة ثلاثين سنة. وقد مررت الكاتبة بحرفية متمكن من ميكانيزمات بناء القصة الموجهة للطفل بقية الرسائل، كتربية الأولاد وأثرها الإيجابي، والتعاون والحب والاحترام والطب الشعبي المتوارث، كتحضير الميرامية من طرف الفتاة لوالدها المريض. لكن ما يحسب لنص “عندما دق الباب” معطى التعايش السلمي والحضاري المطلوب من قبل من اختلفت رؤاهم العقائدية والجنسية والإيديولوجية، وببراءة الأطفال  تنقلت الجارة الصغيرة نغم وزينت مع جارتها المسيحية شجرة عيد الميلاد وتلوين بيض عيد الفصح، لتطلب الأخرى في الاستعدادات لشهر رمضان أن تنشط معها في تزيين الدار بالفوانيس الملونة وفوازيرها الثلاثين، لتعود لبيتهم محملة بفانوس مملوء بحلوى رمضان، فهذه التربة التعليمية والمجتمعية هي الضامن الوحيد لغد يكون فيه أطفال اليوم رجال الغد وهو ملقحون وقد تحصنوا بهذا التفاعل الإيجابي ضد نعرات التفرقة والانغلاق الذي قد يؤدي الى الفوضى العارمة.

أما العنوانين كعتبتين للدراسة وكمدخلين لمتن النص القصصي، فكانت قصة “عندما دق الباب ” كلمات تشوش ماسك القصة وتدخله مباشرة في صلبها فتحتويه بسحر مدخلها ومضمونها ليطرح أسئلته وبعد؟ ومعه من دق الباب؟ ولماذا؟ وماذا سيقع؟

أما عنوان “ما المانع”، فكانت كلمة مفتاح قيلت بين الأسطر وبإخفاء مقصود وذكي عندما قالت سامية لوالدها “أنا سأتوب عنك” وكأنها أرادت أن تقول “ما المانع”، ثم قالها أبو حمزة، ثم قالتها سامية ردا على التفاعل الإيجابي وحب المشاركة من طرف عمر، ثم كانت الكلمة على أفواه الجميع عندما أرادت فاطمة وعدنان مشاركة الأطفال حركتهم “صاح الجميع وهم يضحكون ما المانع؟”

 وصاحبت النص لغة سلسلة مضمونة الهضم والتفاعل والحوار النوعي وحجة الإقناع والتواصل، في حديث الوالد مع ابنته، فردت عن الظلام بالقنديل، والحيوانات المفترسة بكلبها برق، والضياع في الطريق، ستكون نجوم السماء قدوتها وستهديها السبيل الصحيح، وهذه الثلاثية تحيل للرقم ثلاثة السحري والأسطوري الذي يصاحب كتاب القصة الموجهة للطفل منذ زمان، وما لهذا الرقم من جاذبية سحر كل الكتاب، وكان حاضرا بقوة في المدونة العربية. وللكاتبة عدة نصوص سافرت بقرائها لعوالم شتى يحكمها حبها لهذا الأدب ولعالم الطفولة المنعش.

تعليقات