لحسن ملواني
|
المغرب 
لقد فرضت علينا معلومات ونحن صغار أذهاننا صفحات
بيضاء فاستقبلناها ورسخناها واتخذناها معلومات صحيحة وكأنها نزلت وحيا من السماء، وبمرور
الزمن وازدهار الحوار والنقاش بفضل التقدم التكنلوجي والانفتاح الإعلامي وجدنا أنفسنا
مضللين زمنا طويلا.
فكلما تقدم الزمن وتجدد البحث وانتشرت المعلومة ونوقشت
من قبل الكثيرين كلما اكتشفنا الكثير من الأفكار والمعلومات والسلوكات التي أخذناها
خطأ، معلومات تعشت في أذهاننا أعواما وأعواما فتناقلت بين الأجيال محمية بغلاف الجهل
والتجاهل، وقد جاء ذلك عن طريق سبل شتى منها:
ـ انتشار الأمية والجهل، والمقررون في القضايا وصحة
الأفكار ثلة من أشباه العلماء في كل منطقة في وقت فيها القصور الإعلامي وعدم تشارك
المعلومة لإخضاعها للفحص والنقد والتمحيص.
ـ نشر المعلومة المغلوطة من قبل أطراف لهم الهدف
الشخصي في ذلك وقد يكونون داخل الوطن الواحد أو قد يكونون المستعمرين أو عملاؤهم.
ـ الاعتقاد الجازم للطبقات الشعبية في المشعوذين
الذين يقررون صحة القضايا العلاجية والدوائية وليس في غرضهم في ذلك سوى الربح المادي
بعيدا عن الحقائق العلمية وبعيدا عن مواكبة المستجدات الحديثة في المجال الطب العضوي
والنفسي.
ـ تلقي معلومات مغلوطة تاريخيا وجغرافيا، وقد تدرس
في المدارس والمعاهد مما يرسخها في نفوس طلبة سيصيرون مدرسين موصلين ذات المعلومات
إلى غيرهم.
ـ الاكتفاء بالمرجع الواحد لاستقاء المعلومة في الوقت
الذي نجد هذه المعلومة واردة بمعطيات مختلفة في مؤلفات مختلفة.
ـ الاعتماد على الرواية للمعلومة والفكرة علما أن
الرواة يزيدون وينقصون من بنية الخبر وحقيقته من راوا إلى آخر.
من هذا المنطلق تنتشر المعلومة المغلوطة المضللة
فتجد تربة حياتها في عقول ونفوس تتلقى ما يبث إليها دون تمحيص، وبذلك يكتب لها العمر
الطويل قبل أن يأتي من يفندها ويأتي بالبديل الصحيح، الذي يستحق الامتداد عبر الزمن
والأجيال.
وقد جاء كثير من المعلومات المغلوطة من قبل نساء
ورجال في مختلف الديانات تخالف ما جاءت به، فغلبت العبادات على المعاملات في الوقت
الذي جاءت كل الديانات مهتمة بالمعاملات قبل العبادات واعتبرت العمل والمعاملات عبادة
وتدينا في الصميم.
و" من شدة تعظيم الإسلام لأهمية المعاملات جعلها
سببا لجبر التقصير في العبادات، عن أبى هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : «إن
المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» وأغلبنا يعلم قصة الرجل الذى عاود نزول
البئر ليحضر ماء يروى به عطش كلب كما ارتوى هو قبله، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر
له... وكانت إجابة النبى عندما سُئل عن ذلك : يا رسول الله إنا لنا فى البهائم أجرا
؟ قال: «فى كل ذات كبد رطبة اجر»، بينما لم يجعل التقصير فى المعاملات جابرا لنقص العبادات،
ودليل ذلك، قصة المرأة التى تصلى وتصوم ولكنها تؤذى جيرانها، فكان حكم النبى صلى الله
عليه وسلم عليها قاطعا: "هى فى النار" و ليس معنى ذلك أن يترك الإنسان ما
فرضه الله عليه من العبادات، خاصة المفروضة الواجب تأديتها على كل مسلم ومسلمة، ولكن
الهدف أن نعلم أن الأصل فى المسلم أنه ينفع الناس بكل السبل ما استطاع إلى ذلك سبيلا:
«خير الناس انفعهم للناس» وليس الأصل أيضا أن ينكفئ على سجادته، متجاهلا كل أعمال الخير،
وجبر الخواطر وصلة الرحم، وحسن الخلق مع أهله وجيرانه وزملاء العمل وكل الناس من حوله،
فكل هذا يكمل التزامه الدينى ويرقيه، فلا فصل بين العبادة وبين المعاملة، كما بين القرآن
الكريم: (يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)،
وبين كذلك الحديث الشريف "أن إماطة الأذى عن الطريق هى إحدى درجات أو شعب الإيمان"
(انظر الأهرام : الجمعة 25 من رمضان 1442 هــ 7 مايو 2021 السنة 145 العدد، 49095 بتصرف.)
كثير من الكائنات الأسطورية تعششت في أذهاننا ولم
ندرك عدم وجودها حتى صرنا في سن متقدمة.
كثير من الأمثال الشعبية صدقنا فحواها ولم ندرك خطورتها
غلأا بعد سنوات.
كثير من المعاملات بين الرجل والمرأة ترسخت في المجتمعات
باسم الدين والقانون ولم تكن سوى كذب وافتراء
كثير من المعلومات الصحية التي لها علاقة بالمأكولات
لا علاقة لها بالحقائق العلمية المختبرية.
كثير من المعلومات المتعلقة بالتربية جاءتنا مغلوطة
وراح ضحيتها المئات والآلاف من الناشئة.
وانطلاقا مما سبق يجب وضع خطة تمحيصية للأخبار والمعلومات
حتى نميز بين الصحيح الصالح وبين الخاطئ الطالح من المعلومات والأفكار التي نتلقاها
في قنوات إعلامية وما اكثرها، وعلينا تزويد الناشئة بالحصانة النقدية لما يُستقبل ويُتلقى
من المعلومات والأفكار التي صارت سيولا نواجهها صباح مساء. 
وعلى الإنسان أن يتحرى ويتقصى في كل ما يرد إليه
من شتى المراجع والمصادر والقنوان والأفراد، قال تعالى : (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ
عَنْهُ مَسْئُولا): [الإسراء:36]، وقال عليه الصلاة والسلام محذرا من عدم التقصي والتحري
فيما نسمعه ونقرأه:"  : كفى بالمرء كذبا
أن يحدث بكل ما سمع".
لقد آن الأوان لتكثيف الجهود آباء ومدرسين ومربين
أن نساهم مساهمة فعالة في تصحيح كل ما يمس بأحوالنا وعباداتنا ومعاملاتنا ونفسياتنا
من أخطاء مغلوطة حتى لا نورثها لغيرنا فنكتب لها عمرا مديدا تعتريه السلبية والنقصان.
 
 


