مقدمة "أصداء الفكر"
في هذه الرحلة الشعرية، تأخذنا الشاعرة التونسية هالة
غضباني في أروقة الحنين والوجع الإنساني، حيث يطل الحبيب من أفق الغياب مثقلاً
بانتصارات الروح، وتُسائلنا الذاكرة عن فصول الاغتراب، ويشتاق الوطن بكلتا يديه
إلى من زرعوا فيه حبًا لا يشيخ.
قصائدها تنبض بحكايات الألم والأمل، حيث المقاومة
فعل حياة، والشوق جسر لا ينقطع، والوجع مرآة تعكس صلابة الكينونة. بين الحنين
للوطن وملامح الفقد، وبين صخب الحرب ووهج الطفولة، تتراءى لنا صور من الحنين
العاصف، تُحفر في الذاكرة كضوء لا يخبو.
أصداء الفكر تفتح
نوافذها لهذا الصوت القادم من أعماق الوجدان، حيث تكون القصيدة وطنًا، والكلمة
امتدادًا للروح، والصدى صوتًا لا يعرف الصمت.
هالة غضباني
| تونس
1. عود الحبيب
عاد الحبيب من الغياب مدججا
بالحلم والوجدان والنصر العظيم
عاد بوجه مرهق لكنه
يحمل في طياته نور النعيم
يا سيف عمري يا جناح الأمل
كيف ارتويت من الدموع ومن الألم
كيف احتميت من الليالي السود
وحملت قلبي فوق موجات العدم
كفاك تروي ألف قصة بسمة
وعيونك تروي حزن عمر قد عبر
صدرك وسام من جروح الكبرياء
لك في الفداء مقام نجمة وقمر
قلت لي: لا تنطفئ نار الغياب
في صدري ثقل الأرض وحمل السحاب
قد كنت في ساح الوغى كالصاعقه
سيفا يجوب الأرض نارا حارقه
قاومت زحف الموت رغم ظلامه
وجعلت صخر الأرض روحا ناطقه...
2. كأنه لم يكن
كيف استطعت أن تواصل
كأن النبض لم يكن
كيف استطعت ترتيب
الأحاديث التي تزهر في الأحضان
والقبل التي تروي الجزء المزروع
فينا
والضحكات التي تسكر السكون
كأن الفقد لم يكن
كيف كان طعم الاغتراب
كأن في القلب أرضا
تنحني لها السنابل شوقا
تمر فيها الفصول عناقا
يسجد فيها ظل مثقل بالغيوم
أيا وطنا
مهما اغتربنا ستبقى الحبيب
أحن إليك وإن صرت خرابا
بات فيه الصدى يجيب...
3. تشتاق بكلتا اليدين
كبيرا صرت
أتكئ على عكاز من الدم
وخصر شنكال يراوغ طعنات الذئاب
صغيرا كنت
ألعب مع الجميع دون استئذان
أذهب الى سنجار وغزه
أزور الأطفال كثيرا
أولئك الذين لا مأوى لهم
وتحت الأنقاض بنت
لها من العمر
إبادتان وعصور من الغمام
تركت جسدها للأرض
صنعت من شعرها أعشاشا للطيور
تركت رائحة الحناء
للعصافير التي تموت جوعا
أخرجت يدا واحدة من رحم الورق
تلعب بين السطور
بترت الثانية في القصف
ترسم على كراس من شجر الزيتون
خيمه
تلون ثغرة في قلب التاريخ
وتشتاق لوطن بكلتا اليدين...