د. فاطمة
الديبي | المغرب
صوت وذكرى
مرت الأيام وبدأت الأحزان تنجلي شيئا فشيئا، وعاد للبيت شيء من الحركة والاطمئنان،
فقد قررت خديجة العودة للحياكة والخياطة والطرز، حيث كانت ماهرة في الأشغال اليدوية
منذ نعومة أظافرها، ليكون لها ولابنها دخْل بعد موت الزوج، الذي بموته أظلمت الدنيا
في وجهها لأنه كان المعيل الوحيد للأسرة، وبدأت تولي اهتماما بالغا بوحيدها الذي بدأت
تحس ناحيته بمسؤولية أكبر بعد فقْد الزوج، وكانت لا تفارقه حتى يضطجع في فراشه وتطمئنه
لينام قرير العين.
وذات ليلة جافاها النوم لكثرة التفكير، إلى أن سمعت صوت محمد الحياني في رائعته
"راحلة" ينبعث من مذياع، ليذكرها بالماضي القريب، إنها نفس الأغنية التي
استمعت إليها مع زوجها مرات ومرات...
أنصتت لها بكل جوارحها، ولم تفطن لنفسها إلا والدموع تسيل على خديها الجميلين،
لقد تذكرت الماضي وأعز ما كان لديها، فكم قضت من ليالٍ بجانبه تناوله الدواء وتسهر
على خدمته وفي ذلك عزاء لها، وفجأة أفاقت من تفكيرها على انتهاء الأغنية، فراودتها
عدة تساؤلات لم تجد لها جوابا، ولما أتعبها ذلك خلدت للنوم الذي كان قد فارقها لعدة
أيام...
سرقة
كان يمشي الهوينا هذا الصباح وكأن شيئا لم يقع وهو يتجه إلى عمله، له ملامح
تدل على الحزم والجد، ومع ذلك فقد كان غامض الطباع، يجمع بين الحزم والاستهتار. كان
طويل القامة عريض المنكبين نشيط الحركة، وصل إلى مقر عمله فابتدأ العميد قائلا:
- لقد سُرقت خمس سيارات في هذه الليلة! لماذا غادرت مكانك البارحة؟ ألم آمرك
بعدم التحرك من مكانك؟
- ولكن يا سيدي...
- ماذا تريد أن تقول أيضا؟ فالحالة ليست على ما يرام، والأوامر هي الأوامر...
إياك أن تقول لي أنك أحسست بصداع، فما كل مرة تنطلي علي الحيلة، ولست مغفلا إلى هذه
الدرجة! فالوضعية الراهنة صعبة وكل فرد من أفراد القسم، وخاصة أمثالك، فالشرطة بحاجة
إليهم... مفهوم؟
- نعم سيادة العميد...
- هيا إلى عملك!
خرج إدريس وهو لا يعرف أين يضع رجليه
قاصدا مكتبه، فالتقى المفتش سعيد، وبمجرد أن رآه صرخ في وجهه:
- ماذا قلت لك البارحة؟ ألم أقل لك أنني ذاهب لقضاء بعض الحاجيات وعليك أن
تخلفني مدة ليلة؟ لقد سرقت خمس سيارات في الليلة التي تهاونا فيها... وليت الأمر اقتصر
على هذا، بل إن اللصوص يضاعفون عملهم ويسرقون كل ليلة شيئا جديدا. خلال أسبوع فقط سرقت
خمس فيلات من أحسن ما تكون في المدينة، وخمس عشرة سيارة... وكأنك لست في عالمنا...
- مهلا ولا تزعج نفسك...
- كيف لا أزعج نفسي وقد تسببت لي في مشاكل مع العميد؟
وفيما هما هكذا إذ رن جرس الهاتف...
رفع إدريس السماعة:
- ألو...
- ألو... إدريس؟
-نعم سيدي...
- هيء نفسك للبحث وتقصي الأخبار عن العصابة، فخطرها يزداد يوما بعد يوم، واصحب
معك المفتش سعيد في أبحاثك... تحركا الآن... مفهوم؟
- نعم سيدي العميد.
وضع السماعة والتفت إلى سعيد قائلا:
- أسمعت ما دار بيننا؟
- نعم، ويجب علينا أن نسرع بتنفيذ المهمة والبدء في التحقيق.
- أتعرف شيئا عن المجرمين؟
- لا أعرف سوى أنهم يسرقون ليلا.
- هيا بنا.
وخرجا متجهيْن إلى السيارة، ثم انطلقا نحو شارع كيندي حيث توجد الفِلل المسروقة،
ليبدءا التحقيق في هذه القضية، فهذه مهمة كباقي المهمات التي قاما بها سابقا، وهذا
عملهما ولابد أن يقوما به على أكمل وجه.