فاطمة
الديبي | المغرب
دخلت رقية المقهى وجلست في ركنها المعتاد، عيناها
تتبعان امتداد البحر الأزرق اللانهائي. نسيم بحر المهدية العليل يحمل معه رائحة الملح
والرمل.
كانت ترتشف قهوتها ببطء، وهي تغرق في بحر من الذكريات.
تتذكر كيف كان والدها يحكي لها قصصاً عن البحارة والسفن والحضارات البائدة والتاريخ
العربي العريق، وكيف كان يشجعها على أن تحلم بأحلام كبيرة. كانت تحبه أكثر من أي شيء
في العالم.
أخرجت من حقيبتها صورة قديمة لوالدها وهي طفلة بين
ذراعيه. ابتسمت وهي تنظر إلى الصورة، تتذكر عينيه البنيتين وابتسامته الدافئة. كانت
تلك الابتسامة هي التي كانت تهدئها دائماً عندما تشعر بالخوف أو الحزن.
وفي لحظة رحل والدها، تاركاً في قلبها فراغاً كبيراً.
حاولت أن تنسى ألم الفراق، ولكن ذكراه كانت دائماً ترافقها أينما ذهبت. كانت تتمنى
لو أنها تستطيع العودة بالزمن إلى الوراء، لتقضي معه وقتاً أطول.
نظرت رقية إلى السماء، ورأت طائرين يطيران جنباً
إلى جنب. تذكرت كيف كان والدها يقول لها إن الطيور المهاجرة تحمل أحلامنا إلى الأماكن
البعيدة. ابتسمت وهي تتمنى أن يكون والدها الآن في مكان سعيد، يراقبها من بعيد.
شعرت بقطرة دمع تسقط على خدها. مسحتها، أغلقت عينيها
واستنشقت الهواء النقي، وشعرت بسلام غريب يغمر قلبها. ففي كل مرة تشعر فيها بالحزن،
كانت تأتي إلى هذا المكان، تجلس على هذا المقعد، وتستعيد ذكرياتها مع والدها. كانت
تعلم أن الحب الحقيقي لا يموت، وأن ذكرى أحبائنا ستظل حية في قلوبنا إلى الأبد.