قصة: صوت الذكريات والمطر | للكاتبة المغربية: د. فاطمة الديبي
جلست ربيعة بالقرب من النافذة كعادتها حين كانت تزور منزل خالتها
بالجبل، تتأمل المطر وهو يتساقط بغزارة على الأرض. كانت ليلة شتوية باردة، والرياح
تهبّ بشدة، تهزّ أغصان الأشجار العارية، وتنشر في الأجواء رائحة التراب الرطب.
نظرت إلى الخارج، فوجدت أن كل شيء قد تغير. فقد اختفت الألوان
الزاهية التي كانت تزين الحقول والمروج في فصل الربيع، وحلّ محلها اللون البني الداكن
للأرض الرطبة. هدوء يعم المكان، وكأن الطبيعة كلها قد غفت في سبات عميق.
تذكرت ربيعة ليالي الشتاء في طفولتها، وكيف كانت تجلس مع خالتها
عائشة حول المدفأة، تستمع إلى حكاياتها عن القرية وأهلها وكرمهم وعاداتهم وإتقانهم
لصناعتهم اليدوية، وعن أحداث تقع لهم يوم الخميس يوم السوق الأسبوعي للمنطقة. كانت
تحكي لها عن معاناة الأطفال حين كان واد القرية يفيض على الطرقات حارما إياهم من فصولهم
الدراسية في فصل الشتاء، وعن، وعن...
أغمضت ربيعة عينيها وعادت سنوات طوال إلى الوراء، حين كانت طفلة
صغيرة، تجري في المروج تحت المطر وهي تضحك وتستمتع بلحظاتها في حين كان أطفال القرية
ينظرون إليها باستغراب، فهي ابنة المدينة تأتي لتستمتع بالبادية وهي مرتاحة عكسهم تماما
فهم يتعبون أكثر ولا يتمتعون مثلها... لكن سرعان ما عادت إلى الواقع، وفتحت عينيها
لتجد المطر لا يزال يتساقط بغزارة.
أخذت كوبًا من الشاي الساخن، وجلست بالقرب من المدفأة التي لم
تتغير. شعرت بالدفء ينتشر في جسدها، وهي تستمع إلى صوت المطر وهو يضرب على السقف الخشبي
كأنه موسيقى ساحرة في أذني ربيعة... بل كأنها تعزف أروع سمفونية في الكون. كانت تستمع إلى هذا الصوت
وهي تغمض عينيها، تستمتع بهذا الهدوء الذي لا يقطعه سوى صوت الذكريات والمطر.
الكاتبة
المغرب
| د. فاطمة الديبي