📁 تدوينات جديدة

ارتكاب الأخطاء ومهارة التعلم | شارلوت الشماس

ارتكاب الأخطاء ومهارة التعلم | شارلوت الشماس

شارلوت الشماس | السويد

إن أغلبنا كأناس ناضجين نتعلم شيئاً ما في كل مرة نخطئ بها، لذلك حينما نعي أخطاءنا فنحن لا نكررها، لكن هذا لا ينطبق على الطفل.

ما دفعني لكتابة المقال هو قناعتي بأنه لا جدوى من نظرية العقاب في عملية التعلم. إن الطفل في عمر صغير يتعلم بارتكابه الأخطاء لمرات عديدة، لكن في مرحلة عمرية لاحقة لا يتعلم إلا من نجاح تجربته أي أنه يتعلم بشكل أقل في المرات التي يفشل بها. علينا أن نمنح كل طفل الوقت الكافي الذي يتناسب مع المرحلة العمرية ومهاراته غير المكتملة لكي يخطئ ويتعلم أو لكي ينجح ويتعلم.

للإجابة على تساؤلاتي حول هذا الموضوع بحثتُ في مكتبة المدرسة ووجدت كتاباً يتضمن خلاصة بحوث ومحاضرات قيمة شارك بها مجموعة كبيرة من ذوي الاختصاص.

الكتاب بعنوان: Barn som bråkar وترجمته الحرفية: الأطفال الذين يتشاجرون.
تأليف: énBo Hejlskov Elv، معالج ومرشد نفسي، كاتب ومحاضِر.
Tina Wiman
، كاتبة وخبيرة تربوية للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.    

أنقل لكم بعض الأفكار من الكتاب.

في حال حضوركَ لمشهد شجار بين أطفال فأنت تتوقع أن هناك مشكلة ما، لكن الطفل لا يرى ذلك. من النادر أن يكون لطفل ما أي اندفاع لتغيير تصرفه طالما أنه لا يعتقد بوجود مشكلة. لذلك مهمة الإنسان الناضج أن يقوم بتغيير الحالة التي يمر بها الطفل، وليس مطالبته بتغيير سلوكه.   

مثال: أوسكار يجلس أمام اللابتوب، الساعة تقترب من موعد النوم، والدته ليزا تطلب منه أن يغلق اللابتوب. يقول لها سأنتهي فقط من هذه اللعبة، ترد عليه والدته: لكن عليك أن تغلقه الآن، الساعة العاشرة وعليك أن تنظف أسنانك وتنام. تعود ليزا إلى غرفة الجلوس ويكمل أوسكار اللعبة في غرفته. بعد أن أنهى اللعبة بدأ بلعبة جديدة، بعد عشر دقائق تعود ليزا مرة أخرى: قلت لك أن عليك أن تغلق اللابتوب، إن لم تغلقه الآن سأقوم بفصل الانترنت عن المنزل، لا تعلم الأم أن هذه اللعبة لا تحتاج إلى الانترنت. تقوم بفصل الانترنت لكن أوسكار يتابع اللعبة. تغضب الأم وتقول: عليك أن تأخذ الأمر بجدية الآن، لا أملَ منك، اذهب ونظف أسنانك وإلا سآخذك رغماً عنك إلى الحمام. يقوم أوسكار من سريره ويذهب لينظف أسنانه وبعدئذ يقول لأمه تصبحين على خير، يعود إلى غرفته، يفتح اللابتوب تحت غطاء السرير ويكمل اللعب.

لدى أوسكار سبب مقنع لتصرفه، لديه صعوبة في أن يُقفل الجهاز في منتصف اللعبة، تماماً مثل أغلب الناس الذين سيكون لديهم صعوبة بأن يتركوا متابعة فيلم في قاعة السينما لأن أحد ما فقط قال لهم بأن عليهم مغادرة القاعة. أوسكار لا يستطيع مقاومة إغراء اللعبة، وكما رأينا فإن ليزا لا تأخذ رأي أوسكار ورغبته على محمل الجد.

مشكلة الأم أن أوسكار لا يغلق الجهاز، لكن مشكلة أوسكار أن والدته تطلب منه أن يغلق الجهاز. لدينا هنا مشكلتان مع حلَّين مختلفَين.

من وجهة نظر أوسكار طلب ليزا غير منطقي، عليها أن تبحث عن وسيلة لتحل مشكلتها، الوسيلة لا تتعلق بإرادة أوسكار أو بما يفعل.

من وجهة نظر ليزا أن على أوسكار أن يحل مشكلتها، مشكلتها أنه لا يخضع لمشيئتها فتصبح هنا عديمة السلطة وهو من أسوا المشاعر التي تنتاب الأهل.

تتألف أغلب المشاحنات على ما يسمى بلعبة التبديل Växelspel / Switch game حيث يحاول كلا الطرفين إيجاد أو تحقيق الحل الذي يقترحه الآخر. غالباً ما ينتهي هذا النوع من الخلافات بأن يجد أحد الطرفين حلاً لا يعترف به الطرف الآخر ضمنياً لكنه يقوم بتطبيقه، وبذلك لا نُنهي المشكلة بل نُخفيها.

وهكذا نحن غالباً ما نبحث عن طريقة يطبقها الطفل لتكون حلاً مؤقتاً، والأصح هو أنه علينا بدلاً من ذلك أن نحل المشكلة بأسلوب مفهوم من قِبَل الطفل لكي لا نربكه ونخلق بذلك معضلة أكبر.  

مثال يفسر ما سبق:

اميلي ووالدها في طريق العودة من الروضة. كان الأب مستعجلاً فسلك طريقاً مختصراً ليصل إلى موقف السيارة، بجانب بوابة حديقة الروضة هناك بركة ممتلئة بالماء بعمق ديسيميتر واحد، تماماً كجميع الأطفال تحب اميلي أن تقفز في بركة الماء، ركضَت باتجاه البركة وقفزَت وانتشر الماء في كل اتجاه.

لا، قال الأب بصوت عالي، إنكِ لا تلبسين الحذاء المطري الآن، كم مرة علي أن أقول لكِ أنه من غير المسموح أن تقفزي في الماء من دون حذائكِ المطري.

من أكثر الأشياء التي يتشاجر بها الأهل مع الأطفال أنهم لا يخضعون لأنظمتهم. وكثُر من يعتبرون أنه ومن دون نقاش على الطفل اتباع قوانينهم وسلطتهم. لقد سألنا الأهل هل أنتم تتبعون كل القوانين والأنظمة المُشرَّعة في المجتمع؟ حدود السرعة أثناء القيادة مثلاً؟ وكما اتضح أن الجميع يتبع فقط القوانين المفهومة بالنسبة إليه.

إذاً نحن لا نتوجه إلى القوانين الغير واضحة والغير مفهومة من وجهة نظرنا، ومن الصعب علينا أن نصحح أنفسنا ونقوم بتطبيق قوانين لا تعني لنا شيئاً. والطفل كذلك الأمر.  

العقاب مفهوم سيء ولا جدوى منه

أنا شخصياً لا أقبل إطلاقاً بفكرة العقاب، بل الإصلاح عن طريق التوجيه بالنقاش والمنطق. العقاب ينطوي على شعورك بارتكاب الظلم على الآخر. حين تعاقب الطفل يحدث شرخ بينك وبينه، شعور مؤذي لكليكما. (مفهوم العقاب لا يعني إيذاء الطفل جسدياً أو لفظياً فهذا تصرف غير أخلاقي قطعاً، وإنما ينطوي هنا على فكرة حرمانه من شيء ما أو من نشاط معين مثلاً وهو أمر مرفوض بالنسبة لي أيضاً).  

من الطبيعي أن تهبط أسهم الأهل لدى الطفل في حالة العقاب. العقاب لا يعني أن الطفل لن يكرر الخطأ، بل على العكس فهو يزيد من احتمال حدوثه نتيجة خوف الطفل. فحين توجه له الملاحظات المتكررة وتحذره من عدم سكب الماء على الطاولة، فإنه ونتيجة الإرباك لمعرفته المسبقة بردة فعلك السلبية سيسكب الماء على الطاولة لمرات مضاعفة عن المرات التي تتطلبها مقدرته على تعلم تلكَ المهارة.

من الكتاب: حول فكرة العقاب يقول Robert Boyd أخصائي في علم الأنثروبولوجيا، كان الإنسان القديم يستبعد أو يرمي الطفل خارج المجموعة لئلا يُفسد عليه حالة معينة (أثناء الصيد مثلاً، لأنه نتيجة بكاء الطفل يهرب الحيوان المراد صيده). نظرية العقاب استمرت مع تطور الإنسان ولازمته في اللاوعي على مر الزمن.   

أما الباحث النمساوي في فيزيولوجيا الأعصاب Dominique de Quervain والذي نشر مقال عام 2005 ذكَر فيه أن شدة ميل الإنسان لمعاقبة الآخر تختلف بين الناس، كما يختلف مستوى الشعور بالمكافأة الوهمية الناتج عن معاقبة شخص آخر. وهنا تم طرح التساؤل:

هل حقاً نشعر أننا كوفِئنا في حين تم استبعادنا أو رؤيتنا لشخص تتم معاقبته بدلاً عنا؟

الدليل الذي استشهَدَ به الباحث أنه في كل مرة يُسأل بها الطفل عن الذي اقترف الخطأ أو تسبب بأذيةٍ ما فيجيب: لست أنا. على هذا الأساس قام الباحث بتسمية هذه الظاهرة بظاهرة الميل إلى معاقبة الآخر (بدلاً عن). أما أنا فأضيف هنا من خلال تواصلي اليومي مع الطفل أن هناك الكثير من الأطفال مِمَّن يعترفون بشكل مباشر بأنهم قاموا بفعل معين ولا يرَون سبباً لإخفائه، وهذا دليل على ثقتهم بأنفسهم وبتحملهم لمسؤولية أفعالهم، وبالتالي المثال الذي ذُكِر لا يُعَمَّم وإنما هو دراسة حالة.    

أما عن مفهوم المكافأة فعمِلَ المعالج النفسي الأميركي Edward Deci مع فريق من علماء النفس الذين شددوا على أهمية مناقشة نظام المكافأة مع الطفل. مناقشة متى يحصل الطفل على المكافأة؟ ما هو نوع المكافأة؟ والأهم من كل ذلك هو أن المكافأة تُحدَّد من قِبَل الطفل وليس من قِبَل الأهل.

هل يتعلم الطفل من تجربة النجاح أم من تجربة الفشل؟

"إن الشخص الذي يقوم بنفس الفعل لعشر مرات وفي المرة العاشرة يتوقع حدوث نتيجة جديدة، فِعله لا يدل على ذكاء". نُسِبت هذه العبارة إلى ألبرت أينشتاين، وبغض النظر من الذي صاغها علينا أن نتعمق بها أكثر في حال دراستنا للطفل قبل تأييدنا المطلَق لها، لأنني وكما ذكرت نحن نتعلم من أخطائنا ولكن الأمر مختلف بالنسبة للطفل.

يتعلم الطفل من نجاحه أكثر مما يتعلم من حالة الفشل مابين سنواته 12 إلى 15 عام. بينما يتعلم من فشله في سنواته الأولى إلى أن يبلغ 11 عام، أي أنه يكرر أخطاءه وتتكرر بذلك النتائج المتوقعة وغير المتوقعة مراراً فيتعلَم. 

نجاح التجربة أو فشلها لا يعتمد فقط على عمر الطفل، لكنه يعتمد على عدد المرات التي اعتاد بها الطفل أن ينجح خلال يومه. بعض الأطفال يتأقلمون مع شروط محيطهم الذين يقيِّمون نجاحهم، فالنجاح يكون نسبي تبعاً للمحيط، وبالتالي قد يكون احتمال نجاح طفل في بيئة معينة أعلى من احتمال نجاحه في بيئة أُخرى.

هناك بعض الأطفال الذين يفشلون أكثر من غيرهم فيعتادون الفشل لكنهم ليسوا بفاشلين، هؤلاء يتأثرون بنظرة محيطهم. نحن نتأثر بمشاعر محيطنا، لاحظ في حال كنت محاطاً بأناس سعداء كيف سينعكس شعورهم عليك. وكذلك الأمر بالنسبة لتلكَ الإشارات التي يستلمها الطفل من المحيط. حتى إن أغلب الأطفال الذين يتشاجرون يكونوا متأثرين بالمشاعر المتشنجة من قِبَل محيطهم.

لذا وبناءً على ماسبق من الضروري على الأهل أن لا يواجهوا طفلهم بتعابير سلبية، محبِطَة أو مؤذية في حال "الفشل" ( قد تعتبر أن طفلك فاشل تبعاً لاعتقادك، لكنه غير فاشل باعتقاد مجتمع آخر). التعلم يحتاج إلى التدرب على صقل تلكَ المهارة، وهذا التدرب يلزمه وقتاً كافياً يتناسب مع المرحلة العمرية.

ختاماً، الطفل كيان مستقل وعليه أن يعامَل على هذا النحو. له الحقوق كاملة مثلَ أي إنسان بالغ. وكما ورد التعبير في الكتاب: "نحن نقوم باستعارة الطفل من الحياة لفترة مؤقتة، ومسؤوليتنا هي الحفاظ على حقوقه لئلا تُسلَب منه في هذه الفترة".

لا يجب على الطفل أن يتعلم الطاعة، بل عليه أن يتعلم اتخاذ القرار في حياته. يتعلم ويتدرب على تطوير قدراته على تحمل المسؤولية، فلا تسلبوا منه هذه المهارة بالسيطرة على قراراته ومن ثم تأنيبه في حال عدم توافق النتيجة مع رغباتكم، لأنه في نهاية المطاف لن يتعلم إلا من تجربة فشله ونجاحه.
تعليقات