حنين
يا من مَلَكتَ الفؤاد بَعدما يئسا،
وَكيْف أَنسَاك، وَالقَلب الَّذِي عَهدا؟
أَنْت الحبِيب الذِي أَشْجى الجوَانح من،
حُزن تَرَاءَى بِطُولِ البُعْدِ مُتعمِدا.
أَشتاق للمَرأَى في لَيلِي إِذَا غفَلت،
نجمات ليلي، فصار البُعْد مُتقدا.
مَا زال ذِكْرك فِي قَلْبِي يُحَاكِي هوى،
كَالشَّوْقِ فِي النَّفْسِ، يَحْيَا بَيْنَنا أَبَدَا.
قَربك الرب مني كُلما غرَبت
شمس النوَى، وَعادَ الوَصل مُتّقدَا.
رغم الغياب، أَنْت النور فِي ذاك الحَجر،
تَسْكن الفؤاد، كطيفِ الحلْمِ إِذ وجِدَا.
سَأَظَل أَحْفَظُ عَهدا لا يُفارِقنِي،
وَحُبَّكَ البَاقِي مَكنُونا وَمُؤيدا
يَا مَنْ أَطلْت عَلَى دربي بِمبسمِك،
فَصار وَجهكَ نُور القلب إِذ سعِدا.
كَيْف السبِيلُ إِلَى نسيان طيْفِك؟
وَقد سَكنت بَيْنَ الحنايا منْعَقدا.
أَحْنُو إِلَيْكَ وَفِي عَيْنِي خيالك
كَأَنَّمَا العَيْنُ قَدْ أَبْصَرْتَك خلدا.
أَتوق لِلحظة إِذَا اجْتَمَعَت
أَيْدِينا، وَاسْتبَان الوَصْل وَالرشدا.
وَإِنْ ابتعدت عَني، فَالروح متصِلَة،
بِحبِّك الصَّادق الَّذِي يسْتَبيح الهُدَى.
سَأبْقَى أُنَاجِيك فِي أَورَاقِ ذاكِرتِي،
حَتَّى تَعُود، وَتَبْدُو الشَّمْسُ مِن جدَدَا..
لَوْ كانَ لي أَنْ أُحلِّقَ فَوْقَ أَجنِحة،
لَطرت حَيثُ تَكون، وَجهَة وَبَلدا.
يَا منْ تَركت بِقَلبِي لحْنَ أغنِيةٍ،
تَسرِي كَنَبضٍ يُغذي الرُّوح جلَدا.
لَوْلا هَواك لمَا كان ليَ الأَمل،
وَمَا احْتَمَلْت البُعْد وَالكَمَدَا.
أنْتَ المَلاذ، إِذا الدُّنْيَا قست،
وَأَنْت نُور الفُؤَادِ إِذَا غَدَا سُدَدَا.
يَفنى الزَّمَان وَحُبِّي لَكَ يُجَددُه،
كَالعطر في وَردَة، لا يَنْفَدُ أَبَدَا.
يا مَن جَعَلْت مَسارِي فِي الوجود هوى،
وَسِرْتَ بِي فِي مَدَى الأَفْرَاحِ مُتَّقِدَا.
لَوْ كَانَ لِي قَدَرٌ، لَاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ
مَعَكَ فِي كل حِينٍ، حَتَّى الأَبَدَا.
كيف أسأل؟
هل هناك من يصفهما؟
والريح في ظلّهما تنحني،
لتجعل من الحبّ مرفأً
ومن النبض نشيدًا يرويهما.
كيف أسأل عن غيمتين،
يسكبان الضوء في عتمة الوقت،
كيف أسأل؟
والمعاني تتعثر بين عينيهما،
كأنهما نهران في صحراء،
يلامسان في عطشيهما السماء.
هل هناك من يحاور صمتهما؟
والبروق ترسم على وجه الريح ظلالهما،
كأن النجوم تجيب عن أسئلةٍ،
سكنها الليل في عينيهما.
أنا لا أزاحم الشعراء،
لكنني أصغي للقلب إذ يجيب،
ففيهما تختبئ الحكاية،
وتستريح الأقدار،
كفراشةٍ تحوم حول شعاع،
لا يحترق... لا يخبو.
هل هناك من يجرؤ على الغوص؟
وأمواج الحب تتراقص بين كفيهما،
سأبقى أترقب مراكب الكلمات،
حتى أصل إلى جزيرتهما،
وأقيم لهما قصيدةً،
تقرأها الرياح في هدأتها،
وتخطّها النجوم في خطوها،
فأنا لا أضيع الطريق،
إلا حين أسلك دربًا،
يصل إلى قلبهما.