📁 تدوينات جديدة

كريمة دلياس: نموذج الكتابة النسائية الموجهة للطفل في المغرب

كريمة دلياس: نموذج الكتابة النسائية الموجهة للطفل في المغرب

 أجرى الحوار: طارق العمراوي (تونس)

– كيف تقدمين كاتبة الأطفال كريمة دلياس لقراء أصداء الفكر؟

في الحقيقة، يَصعُب على المرء تقديم نفسِه واختزاله في رَقمَيْ تعريف مسجّلين في الحالة المدنيّة والبطاقة الشّخصية أو في الصِّفة أو المهنة التي يمتلكها الكاتب، فمعرفة الشّخص مُرتبِطة بمعرفة الذّات والقِيم الحقيقيّة التي تمتلكها الشّخصيّة الحقيقيّة، والتي تُعبِّر عن ملامحه الحقيقيّة بعيدا عن الضّغوطات المجتمعيّة والسّياسات الطَّبقيّة والتيارات العالميّة الجارِفة، التي تحاوِل اقْتلاع الإنسان من جذوره وَجَعْلِه مُجرَّد فَرْد مُسْتَهلِكٍ تافِهٍ ومُسْتَلَبٍ. وكما يقول رينيه ديكارت: “أنا أفكِّر إذن أنا موجود”.

وكتعريف بسيط، أقدم نفسي لقرّاء الرّائد كإنسانة حالمة تحاول إسعاد أطفال العالم عن طريق الكتابة في عالم يضجّ بالقُبْح والمتناقضات، وإدخالهم إلى عالم السّرد الحالم، لكي يكونوا قادِرين على بناء عالمهم الخاصّ بهم والتّحليق بأجنحة الخيال نَحْو الأفق الواسع؛ حتّى يَتَسنّى لهم خَلْقُ مُتَعِهِم الخاصّة وإبداعاتهم الشّخصيّة والحقيقيّة، وتطوير شخصيّتهم، وإنماء قدراتهم المعرفيّة والفنيّة، وتفعيل ذكاءاتهم المُتعَدِّدة، وتعزيز روح النّقد لديهم، وتمكينهم من التّمتّع بحياة متوازنة وسعيدة؛ فالسّعادة لا تتحقّق إلاّ بالتّحليق في عالم الخيال، وبِتكريس الفِعْل القرائي والإبداعي يكتسب الطفل مناعته الذّاتيّة ضدّ كل ما هو سلبيّ في محيطه، كما تُمكِّنه من امتصاص النظرة السّوداويّة للعالم والتركيز على تحقيق ذاته وبلوغ أهدافه.

– كتبتم سلسلة موجهة للطفل بلغتين، ما هي الرؤية التي صاحبت هذا التوجه؟

أعتبر نفسي كاتبة باللغة العربية؛ لأنني لا أعتبر لغة الضاد التي أعشقها وأعتزّ بها، والتي خلقت في وجداني موجات من الفرح عندما كنت أدرس بالمدرسة، لغة عادية كباقي اللّغات الحيّة؛ بل هي لغة موسيقية بامتياز، غنيّة بمفرداتها وقواميسها اللّغوية وبروافدها الثقافية.

كتبت القصص باللغة العربية وتمّت ترجمتها إلى اللغة الفرنسيّة، حتى يتَمَكَّن الأطفال من قراءة القصص باللّغتين العربيّة والفرنسيّة، وإغناء قدراتهم اللغويّة والمعرفيّة. كما أنّ هناك أطفال يدرسون في مدارس البعثات الفرنسية والأجنبية داخل المغرب وآخرون يدرسون في المهجر، لا يعرفون جيّدا اللغة العربيّة أو يجهلونها تماما، ويحاولون تعلّمها عن طريق النّصوص المكتوبة باللغة الفرنسيّة، والعكس صحيح. كما حضرت شخصيّا معرض كتاب مونتروي بضواحي باريس في دورته الثامنة والثلاثين، في أول شهر دجنبر لسنة 2022، من أجل توقيع كتبي للأطفال المنشورة عن دار مرسم. اكتشفت في المعرض إقبال بعض القراء الأوروبيين الشّباب على اقتناء كتب الأطفال المنشورة بلغتين مزدوجتين أو أكثر، قصد تَعلُّم اللّغة العربيّة عن طريق اللّغة الفرنسيّة واكتشاف معالم السّرد العربيّ الموجّه للطفل.

– لماذا عالم الحيوان لتمرير الرسائل التربوية والأخلاقية وغيرها؟

في طفولتي، كنت متأثرة بقصص ابن المقفع وطريقة حبكه للحكايات واختياره للشخوص الحيوانيّة. كانت تعجبني قصص الحيوانات التي تتقمص أدوار الإنسان وشخصياته المُتقلِّبة، كنت منبهرة بهذا النّوع من الحكي الذي قرأناه في مُقَرّراتنا المدرسيّة وفي المجلات وقصص الأطفال.

وبرأيي عالم الأطفال لا ينفصل عن عالم الحيوانات، فكل طفل له ميول لحيوانات مُعيّنة، قد تكون لُعَباً حيوانيّة أو حيوانات حقيقيّة تعيش معه في المنزل، أو يراها في محيطه، أو في برامج عالم البراري، يُكِنُّ لها الإعجاب والتّقدير ويستمتع بوجودها واللَّعِب معها، أو مشاهدة حركاتها والتّعرف على سلوكيّاتها من بعيد. وعندما تُوَظِّف هذه الشخصيّات الحيوانيّة في الحكاية، ينجذب إليها الطفل بسهولة ويتفاعل معها بحماس وتلقائيّة كأنّها جزء من ذاته. وبالتالي، تصبح مصدر إلهامه، وتؤثر في شخصيّته بشكل كبير، بحيث تُنَمّي فيه روح الفضول وتشحذ خياله الواسع لابتكار أحداث جديدة وشخوص جديدة للحكاية. هكذا يصبح الطفل كاتبا بالفطرة عبر التّفاعل مع الحكاية وشخوصها، وقد تتطوّرُ هذه الموهبة لديه فيُصْبِح كاتب الغد، أو مبدعا في مجالات فنيّة أخرى تتقاطع مع مجال الكتابة.

أعتقد أن هذا النوع من الكتابة كان اختيارا وتَوَجُّهاً صائِباً في بداية كتابتي للطفل من خلال تأطيري للورشات التفاعليّة لفائدة الأطفال، حيث أعربوا عن حبّهم وشغفهم بمختلف الشّخوص الحيوانيّة وأحداث الحكاية وتفاعلوا معها بحماس وفضول، كما انّه تمّت مسرحتها من طرف تلاميذ بعض المؤسسات؛ أذكر منها مؤسسة البشير الخاصّة بمراكش، التي اختار تلاميذها قصة “الفيل والنملة” وتمت مسرحتها على خشبة المسرح المدرسي في لقاء أدبي وندوة صحافية مميزة، كما تمت مسرحة هذه القصص من طرف أطفال المخيم “سيدي بوزيد” والاشتغال على بعض النصوص في ورشات الرسم والحكي.

من طبعي أحبّ التنوّع في الكتابة، لذلك كتبت قصصا أخرى أبطالها أطفال. وبرأيي لا يمكن تمرير أيّة رسائل تربوية أو قيم أخلاقيّة دون تحقيق شروط المتعة والدّهشة في القصة. ولا أعتبر الكتابة المباشرة والمُسْتَسْهِلة في الكتابة الموجَّهة للطفل قصصا إبداعيّة حقيقيّة، ربّما تكون تجارة مُرْبِحَة لِصاحِبِها وناشِرها، لكنها تضرب في العمق الذّوق الفنّي للطفل وتستهزئ بذكائه.

شخصيّا، أجد أن أطفال اليوم أكثر ذكاء في اختيار ما يناسبهم من القصص التي تتلاءم مع شخصيّاتهم وميولاتهم الذوقيّة، خاصّة الذين تعوّدوا على الْفِعْل القِرائي بشكل مستمّر؛ فأغلبهم َيتوَفَّقون في اختيار عناوين وأغلفة القصص بأنفسهم في معارض الكتب.

– ما هي مشاريعكم المستقبليّة؟

مشاريعي المستقبليّة في عالم الطفولة متعدّدة تجمع بين الكتابة للطفل والعمل الجمعويّ، كل شيء سيأتي بأوانه.

– من الورقيّ إلى الافتراضيّ، مسيرة إبداع للناشطين في أدب الطفل، كيف تقيمون هذه المسيرة اليوم؟

برأيي، الإبداع الورقيّ هو الأصل. أُكَرّس بعض الوقت للكتابة وتفعيل الأنشطة الثقافية لفائدة الأطفال. والعالم الافتراضي ما هو إلا وسيلة لنشر بعض الأخبار المتعلّقة بالنّشر والأنشطة الثّقافية المختلفة التي أؤطرها في المؤسّسات العموميّة والخاصّة، وفي معارض الكتاب الدّوليّة داخل الوطن وخارجه.

العالم الافتراضي يفرض نفسه بقوة لمواكبة كل الوسائل التّكنولوجية الحديثة التي تتطوّر تقنيّاتها بشكل سريع لإرضاء حاجيّات المستهلك، في نظام رقميّ عالميّ تتسارع فيه أسهم المنافسة بشكل رهيب، والكاتب يجب أن يستثمر كل التّقنيّات المتاحة للتّرويج لِكُتُبِه ومشاريعه الإبداعيّة والفنيّة، وتقاسم أفكاره وآرائه مع أصدقائه وعموم القرّاء.

– ما هو تحليلكم للمشهد المغربي العربي الخاص بأدب الطفل: النصوص والرسائل والمتابعة النقديّة؟

المشهد المغربي العربي الخاص بأدب الطفل يُعاني من الهشاشة والتّهميش، من حيث متابعة النصوص الإبداعية الجيّدة الموجَّهة للطفل؛ فَنادِرًا ما تجد قراءة نقديّة لقصة أو رواية أو شعر مُوَجَّه للطفولة، ولا أعرف سبب هذا الإهمال والإقصاء، هل تقاعُس النّقاد الأدباء عن متابعة المنتوج الأدبي الموجّه للطفولة بالتَّفحُّص والنّقد الرّزينيْن هو تَعالٍ عن هذا النّوع الأدبيّ المميّز، أم هو خوف من خوض مغامرة النّقد في هذا المجال الذي يتطلب أدوات دقيقة وخاصة، والذي يعتبرونه ليس ضمن اختصاصهم وتكوينهم الأكاديمي.

ومن مؤشرات نجاح مجموعتي القصصيّة الأولى التي كَتَبْتُها على لسان الحيوانات، أنّها تمّ نشرها ضمن السّلسلة القرائيّة لمنشورات وزارة الثّقافة المغربيّة سنة 2014، وتُرْجِم بعضها إلى اللغة الفرنسيّة ونُشِرَت باللغتين العربية والفرنسيّة عن دار مرسم سنة 2018، وحظيت بقراءة نقدية باللغة الفرنسيّة تمّ نشرها في جريدة الرأي "لوبينيون". كما أنّه في منتصف شهر شتنبر 2022، تمّت مناقشة بحث سلك الماستر الذي تمحور حول المجموعة القصصيّة الأولى المنشورة من طرف وزارة الثقافة المغربيّة؛ فكانت محطّ اهتمام من طرف الأستاذة الباحثة مريم الوكجالي ومُؤطِّرَيْها الدكتور أحمد رزيق والدكتورة سعاد النّاصر بجامعة عبد المالك السعدي بمدينة تطوان، والذي جاء تحت عنوان "الكتابة النسائيّة في المغرب: كريمة دلياس أنموذجا".

تعليقات