📁 تدوينات جديدة

هوية الكاتب ودينامية القارئ ودورهما في الإنتاج الأدبي | عزيزة علياني

هوية الكاتب ودينامية القارئ ودورهما في الإنتاج الأدبي | عزيزة علياني
 تونس | عزيزة علياني

كل مقروء يقع بين يدي القارئ هو جزء لا يتجزأ من روح الكاتب ومن كيانه، فتتجسد تركيبته الذاتية في تلك الكلمات التي يخطها قلمه وتحتضنها دفاتره.

تختلف الأجناس الأدبية وتتنوع، لكنها تلتقي جميعا وتتقاطع عند عامل مشترك ألا وهو "هوية الكاتب" التي تتجلى من خلال ذلك المقروء الذي يمثل مرآة عاكسة لحقيقة الكاتب الإنسان والمفكر.

يشتمل مفهوم الكاتب على العديد من المفاهيم الفرعية التي تكمل بعضها البعض وتتجانس فيما بينها حتى تبني شخصية مختلفة لها خصوصياتها التي تميزها عن غيرها من الذوات، حيث أن هوية الكاتب تتشكل حين تجتمع لديه ملكة التفكير بملكة التأليف، فذلك المفكر والباحث الذي يملك درجة عالية من الوعي بالقضايا العامة و لديه القدرة على التحليل، قد يقف عاجزا عن ترجمة أفكاره وتأملاته العميقة بأسلوب كتابي نموذجي يخول له التواصل مع القارئ بشكل سلس. فتظل أفكاره وقراءاته سجينة مخيلته، تتشعب هناك وتزدحم، ومن ثم تموت داخل تلك القوقعة. كما أن القدرة على التأليف وحدها غير كافية لبناء شخصية كاتبة، إن لم تقترن تلك المهارة بعامل الإقناع النابع من عمق الكاتب ومن إحساسه الصادق بكل كلمة يخطها قلمه.

الكتابة هي رسالة تحمل جانبا ناقدا وجانبا إصلاحيا وآخر وجدانيا يشحن المقروء بروح الكاتب حتى تصل الرسالة إلى القارئ، لذلك فإن عامل الصدق مهم جدا لتحقيق التواصل الإيجابي بين الطرفين.

عادة ما يستقطب الكتاب قراء يشبهون الكاتب ويشتركون معه في العديد من الخصال الفكرية والروحية، فينجذبون إلى أفكاره وقراءاته، وحتى إلى أسلوبه القصصي. إلا أن مهمة ترغيب القارئ في اكتشاف محتوى الكتاب والتعرف إلى الكاتب المفكر والإنسان تحتاج عملا مدروسا على بعض الجزئيات الشكلية والخارجية للكتاب وتتطلب كذلك دقة في تزويق الطريق للقارئ.

هوية الكاتب ودينامية القارئ ودورهما في الإنتاج الأدبي

يعتبر عنوان الكتاب الغامض والمثير للتساؤلات من بين الأساليب الترغيبية الأكثر نجاعة في إثارة فضول القارئ نحو المحتوى. إضافة إلى جمالية الغلاف وجاذبيته من حيث التصميم ودلالات الألوان والرسم المعتمد.

كل تلك الشكليات تضفي بريقا على الكتاب ولمعانا يستقطب أكبر عدد من القراء الفضوليين، لكن ذلك الإشعاع الأولي ليس مقياسا لنجاح الكتاب، بل هو دعوة ذكية من الكاتب لاكتشاف كتابه. أما عن النجاح، فهو يتحدد فقط من خلال عمق المحتوى والتفاعل الإيجابي معه من قبل القراء. 

قد يظفر الكاتب بعدد كبير من القراء من أصدقائه ومن عائلته، ومن الذين انساقوا لحيلته اللطيفة من خلال غموض العنوان وجمالية الغلاف، لكن ذلك العدد غير ثابت وغير مضمون، فقد يتقلص وقد يتزايد مستقبلا بعد الاطلاع على فحوى الكتاب أسلوبا ومغزى. حينها سيواجه الكاتب ردود أفعال متباينة ومختلفة يمكنه من خلالها التعرف على عدة أنواع من القراء، والتمييز بينهم من خلال قراءاتهم وأحكامهم وأساليبهم في النقد وفي اصدار الملاحظات.

تظل تلك القراءات مجرد آراء تخطئ وتصيب وليست حقيقة ثابتة، وعلى الكاتب أن يتعامل معها بموضوعية تامة، وأن يكون أكثر انفتاحا ومرونة في التواصل مع القراء وتقبل آرائهم بصدر رحب، وعليه كذلك أن يتجرد من تلك الخطوط الحمراء التي طوق بها نفسه ليتحصن من النقد، فالمبالغة في رسم الحدود قد توسع الهوة بين كلا الطرفين، وقد تؤدي إلى قطيعة دائمة بينهما. 

لابد أن تكون هناك مساحة لمواجهة مباشرة بين الكاتب والقارئ لتبادل الآراء والرؤى، ولخلق انسجام بينهما بعيدا عن منطق المعلم والتلميذ.

في اعتقادي أن دور القارئ لابد أن يكون أكبر من مجرد متلق وهمي يستحضره الكاتب أثناء صياغة أفكاره. لابد أن يصبح شريكا في عملية الإنتاج والبناء وعنصرا فاعلا في خلق المحتوى. كما أن الكاتب الحقيقي يحتاج الى قارئ برتبة ناقد يكون شريكا وعضدا له يدفعه نحو النجاح والتميز. 

تلك الندية بين الطرفين تتطلب صلابة وثباتا من الكاتب وإيمانا منه بضرورة تكثيف الجهود والبحث المستمر عن أساليب جديدة للتطوير من ذاته ومن أساليبه التواصلية وذلك من خلال تنويع وتكثيف مطالعاته، والاستئناس بملاحظات النقاد، كي يحقق التميز والنجاح القائم على ثنائية الكاتب القارئ والقارئ الناقد.

المرحلة الملكية في عالم الأدب هي التي يبلغ فيها الكاتب درجة الفن في الكتابة، ويصل فيها إلى أعلى قمم النجاح. قد يخيل إلى البعض أنهم بلغوا تلك المرحلة بمجرد أن يصفق لهم الجمهور، وتنهال عليهم عبارات المدح والإطراء من القراء، لكن ذلك التصفيق هو تحفيز منهم لمواصلة الطريق نحو مرحلة التتويج. فالتشجيع هو اللبنة الأولى للنجاح الذي لا نهاية ولا حدود له، وأولى خطوات التحدي الصعب والممتع.

تعليقات