📁 تدوينات جديدة

الهيوكا | قصة: فاطمة الزهراء علمي

الهيوكا | قصة: فاطمة الزهراء علمي
 فاطمة الزهراء علمي | المغرب 

وما ذنبي إن أحببت نرجسيا لا يحس كما أحس، ولا يدرك بما أشعر... لا يختنق كما أختنق عند البعاد ولا يتألم؟ وحدي من تغوص في بحر الظلمات، تبحر كغواص مهووس باستكشاف عوالم غريبة مبهمة... لا أعلم كيف تورطت روحي مع روح أنانية لا تعرف للحب معنى... آهات بحجم عذاب نار تشتعل كل مرة في فؤادي وكأني مذنبة حرب، حرب توسطها حرف "الراء" بكل طغيان وجبروت، وأبى أن يتنحى جانبا ليترك مساحة جميلة تجمع روحين "ح، ب"... يتألم داخلي بشدة كلما رأيته يفضل أخرى عني، أو ربما لا يفضل أحداً، بل يلعب دور الممثل في مسرحية التثليث... شعور يمزق شرايين القلب. هل يعقل أنها أحبته أكثر مني؟ أم أنه يهرب إليها لينسى عالمي الجميل؟ أنا التي منحته الحب بأبهى معانيه، والوفاء في أصدق صوره، حتى بتّ على هامش الخيانة، موضوعة تحت الشكوك. لا أفهم سر شكه المتكرر، وأنا التي لا ترى عيني سواه. كم هو أحمق! كيف يشك في امرأة مثلي، لا تعرف للخيانة طريقاً؟ لم يرحم عيناً بكت في الليل قهراً، وغفت على جرح الغد الذي سيشرق بطعم الخسارة... خسارة "روح" كنت أظنها أحبتني واحتوتني. لكنه نرجسي، لا ولن يشعر بما أعيشه من مرارة. والليل، في سواده الممتد، يتمرد عليّ ويعلن قسوته بلا هوادة.

الساعة تجاوزت منتصف الليل، والهدوء يغمر المكان. النجوم تزين السماء كعروس في أبهى إشراقها. أحاول عدّها لأصرف ذهني عن ألم القلب الذي يثقلني. أقف عند شرفة غرفتي، والوجع يحتويني بصمت. كررت كلمة "ألم" وتَمثَّلتها مرات كثيرة، وكأنها وحدها قادرة على ترجمة ما يشعر به قلبي، الذي يبكي ويشكو للسماء.

قرأت مئات الكتب التي تعدك بأن تنسي الحبيب النرجسي في دقائق، وشاهدت العديد من البرامج التي تعلمك كيف تجعليه جزءاً من الماضي لا الحاضر. بل لجأت إلى الله، أصلي وأبتهل كي يمحو الألم من قلبي... لكن صدقوني، كل هذا لا يجدي نفعاً. فالمحب كالمجنون، يسقط عنه المنطق، فلا مجال للعقلانية في الحب. المحاولة لفرض السيطرة على المشاعر عبثية. الأجدر بإنسان مثلي أن يعيش كما يشعر، دون كبت أو تظاهر بالسيطرة. في الحب لا وجود للقوة، الحب هو أن تتقبل ضعفك بكل سخاء، وأن تجد فيه متعة وجمالاً. كن ضعيفاً في الحب، فتغدو أكثر جمالاً.

صباح ثقيل بثقل الأحلام المؤجلة... أحتسي قهوتي كعادتي، على أمل أن أستفيق من سبات الروح العقيم. سألتقيه كما في كل مرة، وككل صباح أمثل دور المتجاهلة القوية، غير المبالية، فيما داخلي يعصف بركانٌ من الاشتياق. أشتاق عناقه كما يشتاق الجائع لرغيف ساخن في ليالي ديسمبر الباردة، بحثاً عن دفء أنفاسه. ماذا لو لم يكن معي اليوم؟ سأظل أحبه، ليس لأني لم أجد غيره، بل لأن حبه الاستثنائي هو ما يجعلني سعيدة.

عندما أحلل وأغوص في أعماق شخصيته، أراه طفلاً مدللاً، يحتاج إلى حضن دافئ على الدوام. وإن عاندته، يثور كبركان متوهج، لا يرضى برفض طلب أو معارضة في أي أمر. يا له من طفل كبير مدلل! أشعر وكأنه عالق في مرحلة السبع سنوات، بقلب حنون، رغم محاولاته الدائمة لإخفاء ذلك. لكن تعامله يستنزف طاقتي. هل من الممكن أنني لم أعرف كيف أحبه حقًا؟ أو ربما لم أتمكن من الحفاظ عليه كما كان يجب؟

رن الهاتف وأنا غارقة في الكتابة، الرقم رقمه. تسارعت دقات قلبي كقطار لا يتوقف، ويداي بدأت ترتجفان. شعرت بحرارة جسدي ترتفع، مزيج غريب من الحنين والسخط والغضب والحب يعتريني. ماذا سأقول له؟ وكيف سأرد عليه؟ لساني أثقلته الكلمات، وكأن سكرات الموت قد أحكمت قبضتها عليه:

"ألو!'"

"كيف حالكِ أيتها المجنونة؟"

"لست بخير... وأنت بعيد عن عالمي." تنهدت، ثم تابعت: "لا أعرف لماذا تتصرف معي بهذه الطريقة. هل أستحق فعلا هذا التعامل وأنا التي تحب بحجم الكون؟ لماذا تثير غيرتي في كل مرة، بدل أن تفتح معي حواراً وتناقشني حتى نستوعب سويا مكامن الخلل؟ تحاربني وكأنني عدو يجب تمزيقه في ساحة الوغى، لتخرج أنت البطل المنتصر. الحب ليس ساحة حرب، بل ساحة للنقاء والسكينة."

ساد الصمت لبرهة، ثم أكملت: "عندما اخترت أن أحبك -والحب قرار قبل أن يكون مجرد إحساس- أحببتك بكل مساوئك قبل حسناتك، بكل شرورك قبل خيرك. لم أكن أنتظر منك جميلاً أو شكراً، فقط احتفظ بي بدل الإتيان بأفعال تدفعني إلى الانسحاب... رغم كل ذلك، إنني ما زلت مرتبطة بك روحياً."

"هل أكملتِ؟"

"نعم..." أجبت وأنا أتمسك بما تبقى من صبري.

"لن ألومكِ لأنك فضلتِ الانسحاب. لم تستطيعي تحمّل شخصيتي التي، أعترف، لا أفهمها أنا بنفسي. هي تؤرقني كما تؤرقكِ. لكنكِ اخترتِ الابتعاد بدلًا من الصبر على مزاجي السيئ. ألم يكن الحب، كما يقال، كالأم التي تحتضن طفلها مهما زل ومهما أخطأ؟ ألا أستحق منكِ هذا؟"

تنهدت بعمق، ثم نظرت بعيدًا وكأنني أحاول جمع الكلمات التي شردت مني. "بلى... لكن الطفل لا يؤذي أمه. وأنت تمزق كبريائي الأنثوي في كل مرة... كانت الأذية أكبر من مجرد زلة أو خطأ عابر، كيف أستطيع البقاء متصلة بك إلى الأبد؟"

صمت للحظات، وكأنه يحاول أن يجد مخرجًا من تلك اللحظة القاسية. ثم قال بصوت متهدج: "اُعذريني، سامحيني... أريد حبكِ، ولكن لا أعرف كيف أحب. أيعقل أنني مريض؟"

ابتسمت تلك الابتسامة الحزينة التي تحمل ألف معنى، ثم همست: "لا أعلم. كل ما أعرفه هو أنك تؤذي كثيرًا... تؤذي روحًا كل ذنبها أنها أحبتك بإخلاص، ولم تطلب شيئًا سوى أن تحبها كما تستحق."

ساد الصمت، وكان كفيلاً بملء المسافة بيننا، تلك المسافة التي لم تكن جسدية، بل روحانية، وكأننا وقفنا على مفترق طرق لا رجعة منه.

تعليقات