📁 تدوينات جديدة

نماذج رائدة لصحافة الطفل: النموذج الفرنسي | حسن امحيل

نماذج رائدة لصحافة الطفل: النموذج الفرنسي | حسن امحيل

المغرب | حسن امحيل 

مدخل 

تكفي نظرة خاطفة على أحد الأكشاك الفرنسية لاكتشاف قوة صحافة الطفل المتمثلة في تنوعها وفي غناها. وأمام وفرة العرض، يحتار الأطفال في اقتناء المجلات التي توافق ميولاتهم القرائية، ومعهم طبعا الآباء الذين ييسرون عملية الاقتناء ماديا. هناك بالتأكيد مجلات لجميع الأذواق، لكل الأعمار، لجميع المجالات... مجلات إخبارية تثقيفية، دوريات تخص العلم والاكتشاف، مجلات الأبطال والخوارق من جهة أخرى، قصص مصورة أو الكوميكس، مجلات تهم الفتيات بوجه خاص، وأخرى موجهة للأطفال في سن مبكرة، أو مختصة بمجالات الاقتصاد والنجوم والكوميديا والتسالي... باختصار جميع التيمات التي تسحر الأطفال من 1 إلى 17 سنة.

وللوقوف بشكل موضوعي دقيق على طبيعة انتظارات القراء الذين يتطورون باستمرار فيزيولوجيا ومعرفيا وفق سيرورة زمنية ميزتها التجديد، يقوم الناشرون بمجهودات كبيرة من خلال زيارات للمدارس، والقيام باستجوابات للقراء لاستقصاء الآراء، وتخصيص استمارات لجمع البيانات والإحصائيات، وخلق ورشات تفاعلية على الأنترنت...

وتُضاعف المنابر الصحفية أنشطتها ومبادراتها في لقاء جمهورها من الأطفال وفتح قنوات التواصل حول اهتماماتهم، وتعبئة فضولهم ورغبتهم في الاكتشاف، وهي تراهن على نسبة 100% في تجديد جمهورها كل ثلاث سنوات. "هذا هو التحدي الحقيقي الذي يجبرنا على تجاوز حتى أنفسنا بشكل دائم..." هذا ما أقره جل الناشرين الذين شملتهم هذه الدراسة.

1. وفرة حقيقية

تتميز صحافة الطفل الفرنسية بغناها المبهر من خلال عدد العناوين المتاحة سواء في الأكشاك أو عن طريق الاشتراك، وكذلك من خلال تنوع محتوياتها ومقترحاتها التحريرية، وكذا تعدد مواقع عرضها.

من الصعب جدا تحديد عدد العناوين المتوفرة من مجلات الأطفال، وقد قدره مسؤولو التوزيع (Presstalis، MLP) في أكثر من 350 عنوانا سنة 2015، إلا أن هذا العدد لم يشمل العناوين المتاحة فقط عن طريق الاشتراك، وكذا ما يناهز 50 عنوانا موجها للسن المبكرة وأخرى للمراهقين يشرف عليها مكتب تبرير النشر (OJD). كما أن شركة Cauris Média على سبيل المثال، تروج لما يقارب 100 عنوان منبثقة من مجموعات (Fleurus Presse، PlayBac، Dupuis، Turbulences Presse، Panini)، ومعظمها غير منضوية تحت لواء مكتب تبرير النشر (OJD). ويزداد تعداد العناوين تعقيدا بعد إصدارات جديدة قُدرت بما يناهز 100 عنوان خلال النصف الأول من عام 2015، دون احتساب الإصدارات المناسباتية الخاصة (Hors-séries)، والمطبوعات المروِّجة للأيقونات الكرتونية المشهورة (السنافر، سكوبيدو، هيلو كيتي، دورا...)

وهذه الإطلاقات ترجمت تماما تنوع ووفرة العرض، لأنها شملت الكوميكس (بوكيمون، سبايدرمان)، الطبخ (La cuisine des P'tits Chefs)، الألعاب، وأبطال السينما أو التلفزيون (بما في ذلك بيبا الخنزير أو ملكة الثلوج)، الأميرات (للفتيات الصغيرات)، التلوين، ولأطفال السن المبكرة (أليكس الفأر)، وللمراهقين خُصصت عناوين عن نجوم الموسيقى وتلفزيون الواقع، ومجلات حول الحيوانات (وخاصة الخيول) أو الرياضة.

ميزة التنوع هذه لم تكن أبدا مسألة اعتباطية، بل هي ثمرة خصوصية مراكز اهتمام الأطفال من 0 إلى 16 سنة، وميولاتهم المتسمة بالغنى والتنوع، فهذه الفئة مولعة بالأبطال والسينما، الطبيعة والحيوانات، الرياضة والألعاب، العلوم والموسيقى، دون أن ننسى التثقيف وتعلم القراءة... النتيجة، وللاستجابة لكل هذا الشغف، عرض صحفي مزدهر.

2. معرفة دقيقة بالفئة المستهدفة من الأطفال

نقطة قوة أخرى تميز صحافة الطفل الفرنسية بعد وفرة العرض تكمن في المعرفة الدقيقة لجمهورها من الأطفال الناتجة عن الاتصال الدائم بهم بشكل مباشر أو عن طريق دراسات استقصائية.

من البديهي أنه لمعرفة جمهور القراء لا بد من فتح قنوات التواصل معه، وهي الاستراتيجية التي تنهجها صحافة الطفل الفرنسية بانتظام وبشكل مدروس، مع مراعاة التنويع في هذه القنوات، حيث تتميز عن الأنواع الصحفية الأخرى في جعل مقراتها فضاء رحبا لاستقبال الأقسام الدراسية، وتنظيم أيام الأبواب المفتوحة لشريحة عريضة، وكذا إدماج متدربين تواقين لاستكشاف كواليس التحرير، بل وتنفتح هذه الصحافة على بيئتها، حيث تقوم أُسَر التحرير بزيارات للمؤسسات التعليمية، تتوجها شراكات مع وزارة التعليم، كما تنشط هذه المنابر مجموعات على الأنترنت للمشاركة والتقاسم... كل هذا يساعد على خلق روابط نموذجية مع الأطفال تخول للفاعلين في مجال صحافة الطفل بناء تصور واضح ومعرفة دقيقة للفئة المستهدفة.

3. زخم إبداعي ناتج عن التنافسية

يسمح التوقعُ الجيد لانتظارات القراء الصغار للناشرين بإصدار منتجات إضافية، كالطبعات الخاصة، كتب، خدمات، إصدارات من الإنتاج السمعي البصري والوسائط الرقمية... تنوع إبداعي ناتج عن المنافسة الشديدة بين دور النشر، في سباق جامح لإرضاء القراء.

المنافسة الشديدة هي إذن نقطة القوة الثالثة المميزة لصحافة الطفل الفرنسية، لأنها تجبر الناشرين على تحسين إصداراتهم بشكل دائم ومنتظم، وإلا فإن حصصهم في السوق ستنخفض أو تختفي. هذه الضرورة، جنبا إلى جنب مع التوقعُ الجيد لانتظارات القراء الصغار، يترجَم إلى إبداع غير مسبوق في عالم الصحافة بمفهومها العام.

يؤكد Vincent Cousin، ناشر مجموعة Science & Vie: "يتمنى الآباء الأفضل لأطفالهم... إنهم على استعداد للإنفاق بسخاء لتوفير موارد رحبة ومحتويات قيِّمة تحترم ذكاء صغارهم..." ويضيف: "يكفي مراقبة سلوك الأطفال عند نقط بيع المجلات (كشك، مكتبة أو متجر ترفيهي ثقافي...) لفهم أن انتباههم ليس منصبا على علامة تجارية ما... يقتنون بنهم ما يستثير فضولهم ويشفي غليلهم الاستكشافي..." وهذا ما يفسر العدد الكبير من الإصدارات الخاصة والمزيد من المنتجات التي يتم تسويقها المرفقة غالبا بالهدايا (هدية العدد)، وكذا الكم المهم من الشراكات مع الجمعيات أو الشركات الكبيرة، ناهيك عن الترويج والإشهار عبر الإنتاج السمعي البصري والوسائط الرقمية.

خاتمة

ما تزال صحافة الطفل الفرنسية غير منتشرة بقوة على وسائل الإعلام الرقمية، لذلك يتعين على الفاعلين في المجال إيجاد الطريقة الصحيحة لتحقيق ذلك، خاصة في ظل الاجتياح المهول للأجهزة الذكية والأنترنت لجل البيوتات... ووفقا لدراسة أُجريت قبل 7 سنوات من طرف Junior Connect، فقد زاد انتشار الأجهزة اللوحية بين الأطفال من 36% إلى 50%، وأن ما يناهز 70% من المراهقين يمتلكون هواتف ذكية شخصية، وحوالي 30% لديهم جهاز لوحي خاص، وتبلغ مدة الاتصال بالأنترنت 3 ساعات و40 دقيقة في الأسبوع للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 1-6 سنوات، و5 ساعات ونصف للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7-12 سنة، و13 ساعات ونصف للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13-19 سنة.

لحسن حظ النموذج الفرنسي، فإن ظهور هذه التكنولوجيا لم يشكل بديلا عن صحافة الطفل الورقية. إذ أكثر من 60٪ من الشباب يعلنون أنفسهم قراء حديثين لمجلات الأطفال (منهم أكثر من 70٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 1-6 سنوات و7-12 سنة). ويقضون في تصفحها ما معدله 3 ساعات و40 دقيقة كل أسبوع (أكثر من 4 ساعات بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7-12 سنة). أما بالنسبة للصغار (1-6 سنوات)، فإن قراءة مجلة هي لحظة مشاركة وتقاسم مع الآباء والأصدقاء، ولقاء منتظم ومشوق مع شخصياتهم المفضلة. وبالنسبة للأطفال الأكبر سنا (7-12 سنة و13-19 سنة)، فإن الوظائف الرئيسية لمجلاتهم المفضلة هي التسلية والمتعة والتعلم.

زيارة فصل دراسي لمقر تحرير جريدة شبابية
زيارة فصل دراسي لمقر تحرير جريدة شبابية

____________________
Source: LA PRESSE JEUNESSE, Syndicat des Editeurs de la Presse Magazine, Photos: Shutterstock, SEPM, BNF Gallica, EEDF, JDE - Novembre 2015

تعليقات