المغرب | فاطمة الزهراء
علمي
ليست كل النساء تشبهني،
فأنا التي أعزف سمفونيات العشق وترانيم الوفاء. أحتسي كوب قهوة ساخن في صباح دافئ كدفء
أحلام الصباح. أقرأ كتابي المفضل "جلسات نفسية" وأتذوق كلمات ماجدة الرومي
"كلمات". أسبح في عوالم تخصني وحدي.
هكذا بدأت يومها على
صفحة "الإنستغرام"، وكأنها تخبر العالم بمن تكون وكيف تكون، وإما أن تكون
أو لا تكون. بدأت "الجيمات" والقلوب الحمراء الافتراضية تتراقص عليها كراقصة "باليه".
الجو بارد وممطر، وكعادتها في كل صباح تذهب إلى العمل بروح طفلة مقبلة على الحياة.
تركب سيارتها المفضلة كمن يركب سباق الأيام.
داخل مقر العمل حيث
نبض الروح وحياة ربيعية زاهية الألوان.
أنس: صباح الخير حبيبتي،
وهو يخطف قبلة الصباح.
ماتيا: اشتقت لرائحة
روحك العذبة حبيبي.
بضع دقائق غرامية كافية
ليكون يومها كنهر الكوثر. فهي اعتادت أن تبدأ يومها برؤيته وهو بجانبها، رغم قساوة
الحياة عليهما ورغم كيد الكائدين من حولها.
دخلت القسم، شرعت في
تقديم الدرس وهي كلها حيوية ونشاط، وبين الحين والحين يرمقها بنظرات خاطفة معلنة تمرد
العاشق لمعشوقته. توالت الأيام بحجم الشهور، وحبهما يكبر بكبر المصاعب والعراقيل. فهما
ليسا مجرد زميلين، بل عاشقين أحبا بعضهما البعض وكأن القدر كان ينتظر جمعهما داخل العمل.
بضع شهور كانت كافية
لتستفيق من سباتها وتعلم بخياناته المتكررة لها أمام أعينها المقبلة على الحياة. أية
قساوة هذه؟ واجهته ذات مرة وهي منطفئة الفؤاد:
ماتيا: كيف لك أن تحبني
وتحب مثنى وثلاثًا ورباعًا في آن واحد وتتغزل بنا جميعًا بل وتجمع كبريائي بأخريات
لا يشبهنني في حبي لك؟
بكل وقاحة ذكورية،
كمن يحاول أن يستسهل الأمر ويجعل من غير الطبيعي طبيعيًا وجائزًا. فذكورته تسمح له
من وجهة نظره أن كل شيء مباح، حتى خياناته المتكررة في حضرتها.
ماتيا: كيفاش قدرتي
تخوني، لا وبكل وقاحة كتهضر وتتغزل فيها قدامي؟
أنس: (مجيبًا ورأسه
مهزوز نحو السماء): أنا الرجل، واش باغة تعاندي معاي؟
أي منطق هذا وأي عرف
ودين ومذهب يجعله يفكر هكذا دون أن يراعي مشاعر أنثى قريرة، هشة الروح. تراجعت بضع
خطوات للوراء، فهي لم تعتد على مشاركة خصوصياتها مع أحد. أخذت نفسًا عميقًا، وبكل ثقة
نظرت إلى عينيه الجاحظتين بثقل الخيانات. ابتسمت ابتسامة محارب، تلك الثواني كانت كافية
لتستعيد ذكرياتها المزيفة بطعم الحب ولذة العشق. فالعاشق لا يخون. لملمت روحها المعذبة،
استنشقت هواء الكبرياء، معلنة خلاصها الأبدي من وحل الحب المزيف. فهي إما أن تكون أو
لا تكون، وهي اختارت أن تكون لنفسها معززة مكرمة على أن تكون على رصيف الحب تنتظر الفتات
منه وتشارك أخريات حبها.
أنس: انساني، الله
يسهل عليك.
اندهش! فهو الرجل الذي
دائمًا العصمة بيده، وهو الذي يبدأ وينهي بأمره. لم يتوقع منها هذا الرد، ظنًا منه
أنها لن تستطيع فراقه مهما كثرت الزلات والهفوات التي يقصدها.
انصرفت بكبرياء أنثوي
رغم الألم والحسرة التي تتجرعهما ومرارة الفراق التي تعلن نهاية قصتها مع رجل كانت
ترغب أن تكون له كل شيء. رحلت والدمع يواسيها ويعزيها جثمان من كان لها رفيق الحياة.
عادت إلى المنزل ودموع
الفراق تنهمر كشلال ساخط. ألقت نظرة خاطفة على رسائل الواتساب، وقلبها البارد يرتجف
مرارة الاشتياق. كم هو صعب اشتياق بلا عودة، لتبقى الذكريات رصاصة في قلبها المجروح.