للغياب رأي آخر
مرات أفقد البوصلة
أمشي فوق جسر وأنا مثقلة
الحمولة ألقيها في النهر
لأرقص بخفة الفراشة
تراني الشمس
بكم هائل من الوداعة
تلبس فستانها الذهبي
لتلتحق بي
قبل أن يرتدي الظلام رداءه
بكل التوق إلى الفرح
أشعر بالسأم
في عز الازدحام
بعض الغائبين يكونون للأمكنة أسيادا
نراهم في أوجه كل الحاضرين
ينقص العمر إن لم تتكحل عيوننا بمرآهم
الكلمات تصبح أناشيد إن حضروا
الحمائم تساعدنا بالهديل
أستدرج العصافير لتزين أقمصتهم
نفرغ كل الحمولات
نفك عروة اللغة
نطعم امزجتنا
ننبش مثالب التأويل
ونعود بخُفي كلام
لا نستطيع صياغة فكرة
وكأن الكلمات تزلجت على الجليد
قبل التفنن في الغياب
علمونا كيف نتخلص من السأم
دعوا رنين الضحكة فوق شفاهنا
بيننا وبين نسيانكم بون شاسع
سحيق
النسيان سخيف
حقل ألغام
يسخر من عجزنا على اقتحامه
بحوزته ديناميت
ونحن دون درع وقاية...
قراءة "أصداء الفكر"
في قصيدتها "للغياب رأي آخر"، تعبر الشاعرة
المغربية سعاد بازي عن تجارب إنسانية عميقة من خلال توظيف الصور الشعرية والرموز بدقة
متناهية. تستهل القصيدة بفقدان البوصلة، وهي استعارة تبرز حالة التشوش والضياع التي
يعيشها الفرد عند غياب الأحبة. يمشي الراوي مثقلًا بالهموم على جسر، في إشارة إلى رحلة
الحياة المليئة بالتحديات والضغوط.
تستخدم الشاعرة النهر كرمز للتطهير والتخلص من الأعباء،
حيث تلقي الحمولات في النهر وترقص بخفة الفراشة. هذا التصوير يرمز إلى البحث عن التحرر
والراحة النفسية. تجسد الشمس بدورها الأمل والتجدد، حيث تلبس فستانها الذهبي لتلتحق
بالشاعرة قبل أن يحل الظلام، الذي يمثل بدوره الوحدة والعزلة.
في الأبيات التالية، تعبر الشاعرة عن التناقض بين
حضور الغائبين وأثرهم العميق، حيث يصبحون أسياد الأماكن رغم غيابهم، مما يضفي على الأمكنة
طابعًا خاصًا من الحزن والشوق. استخدام العبارات مثل "الكلمات تصبح أناشيد إن
حضروا" و"الحمائم تساعدنا بالهديل" يعكس التأثير الإيجابي العميق للغائبين
على الحاضرين.
تنتقل الشاعرة إلى وصف صعوبة فهم وتأويل معاني الغياب،
مستخدمة تعابير مثل "نفك عروة اللغة" و"ننبش مثالب التأويل"، مما
يبرز العجز عن التعبير والفهم الكامل لتجربة الفقد. الأسلوب هنا يتسم بالتعقيد والتركيب،
مما يعكس عمق الشعور بالعجز.
ختام القصيدة يسلط الضوء على صعوبة النسيان، حيث
تصفه الشاعرة بأنه "حقل ألغام" و"ديناميت يسخر من عجزنا على اقتحامه"،
مما يعكس الصراع الداخلي المستمر مع ذكرى الأحبة الغائبين.
تتميز قصيدة سعاد بازي بأسلوبها الرمزي والغني بالصور
الشعرية، مما يجعلها تجربة شعورية متكاملة تعبر عن الألم والأمل في آن واحد. الشاعرة
تنجح في إيصال مشاعر الفقد والغياب من خلال توظيف الرموز والاستعارات بمهارة، مما يجعل
القصيدة عملاً فنيًا يستحق التأمل والتحليل العميق.