📁 تدوينات جديدة

هكذا أنا | شعر: سعاد بازي

هكذا أنا | شعر: سعاد بازي
المغرب | سعاد بازي 

هكذا أنا

هكذا أنا
عمياء
أدفع فاتورة ضوء باهظة
تكفي زقاق الحي

خصري مصاب بورطة وفاء مزمن
لا زال يرقص على طبول الأمس
لا تؤرجحه سواها

أزم شفتي اتقاء دمعة
تدحرجت على خدي
وأنا التي فرمت البصل
أتألم لهروب اليمام
وأنا التي أطلقت سراحها
وفتحت لها القفص

متخمة
أبتلع الكلام النيء
في مجاملات لا أستسيغها

هكذا أنا
قد أراك تحفر حفرة على مقاسي
أتغابى
أسألك: هل أساعدك؟
ثم أستعد للوقوع فيها
قد أسلمك الفأس
وأترك لك نشوة مباغتتي
بضربة على رأسي
كـ "راسكو لينكوف"...

رؤية نقدية

المغرب | الكاتب والناقد: محمد الطايع

في تناص مرعب مع بطل الجريمة والعقاب، يسدل هذا النص العجيب ستارة المواجهة الصامتة شكلا والصاخبة عمقا، في الروايات نفسها، "الجريمة والعقاب"، و"قصة موت معلن"، نطلع على الواقعة، ثم نعيش الملابسات فيما بعد، ثم جاء "ألفريد هيتشكوك" وعلمنا ان نتوقع الضربة الغادرة في ختام العرض، لكن هنا الأمر مختلف، لأننا بصدد غدر مكشوف، واستعداد بطلة النص الشعري النثري، لتلقي طعنة الختام، كما فعل بطل "ألبير كامو" في رواية "الغريب"، وكما أدهش العالم أناس كانوا يسيرون باستسلام نحو المذبحة.

هنا الظاهر في هذا النص العجيب، أننا بصدد الغوص في نفسانية الضحية بدل الجاني، نسوق تلقائيا من الروايات نماذج الضحية العارفة بمصيرها، والأغرب فيما قرأت هنا لسعاد بازي، أن هذا النص يعنيني شخصيا، ولعله أيضا سوف يمس جوهرة الألم المتأصل في عدد لا يحصى من القراء أمثالي، لأنها عقدتنا جميعا، أن نكون على علم ويقين بأن العداء المبيت ضدنا حقيقة، ومع ذلك نتظاهر بالغفلة، فهل نحن مغفلون؟

الجواب ليس داخل النص، بل فيما بعد، وهنا ألحظ لمسة فلسفية خالصة، عن أهمية الطرح، بينما يبقى حق التأويل والإجابة مكفولا للقارئ، ما الذي سيحدث بعد هذا؟

تقول القصيدة، أخبرتك من أنا بالتحديد، كائن يتواطأ مع خصومه، يتعايش مع ظروفه بعدم الاعتراض عليها، حتى وهو يعلم أنها ليست في صالحه، بل والأغرب أيضا أنه يساعد الجاني على ارتكاب جنايته مرة بتمثيل دور المغفل، ومرة بتهيئة الظروف المناسبة لارتكاب الجناية، هنا قد يصدر القارئ حكما متسرعا، فيزعم أن النص يتضمن شحنة من السلبية واليأس وعدم القدرة على الاعتراض والفضح والرفض، لكن كان ذلك ليكون صحيحا لو أن الشاعرة ساقت الوقائع في الزمن الماضي، كقول أحدهم وهو في برزخ الأرواح: "قتلت بعلمي وانتهى الأمر..." تأسيا بشاعر الجاهلية الحزين طرفة بن العبد، الذي جعل موته طريقته في الرفض والاعتراض على قومه الذين لم يتكمنوا من فهمه، وبلوغ سقف رؤيته السابقة للأوان.

هنا على العكس تخبرنا الشاعرة موجهة خطابها للئيم الذي يتوعدها غدرا، كما توعد أبو لؤلؤة المجوسي الفاروق عمر بن الخطاب، قائلا: "سأصنع لك طواحينا يتحدث عنها كل العرب..."، فقال الفاروق وقد صدق ظنه: "أنه يتوعدني..."

فمما نفهمه عن عمر ومن هذه القصيدة، أن حاسة استشعار الخطر حاضرة، لكن يبقى السؤال: أي إجراء وقائي سوف يتخذ بعد هذا الكشف اللعين؟ طرفة بن العبد فضل الموت كبرياء وكذلك فعل فرسان الساموراي، تحت ذريعة الشرف، "ميرسونت"، "ألبير كامو" العابث، فقد قيمة الحياة ومعانيها جملة وتفصيلا، عمر بن الخطاب رمز العدالة الاجتماعية يرفض أن يعاقب مجرما عن جريمة لم يرتكبها بعد، فأي عذر تخفيه أو تبديه الشاعرة سعاد بازي؟

بالنسبة لي، لم أتعب دماغي في البحث عن الجواب، لم أشق على نفسي بتدبر نصوص الفلسفة وعلم النفس، فقط عدت لنفسي، واستعملتها قياسا، لذلك أعتبر ما أكتبه هنا مجرد تعليق عابر وليس نقدا، قلت نحن خلقنا من نفس واحدة، ومشاعرنا متشابهة كلما وقعنا في نفس الفخ، نعم للمسألة علاقة بالتفخيخ، والاستدراج، هكذا يجب أن يفهم هذا النص، وخاصة الذين قرؤوا الكثير مما أبدعت سعاد بازي ولمسوا قوة شخصيتها فيما تكتب... نعم، كأني سمعت الشاعر محمود درويش يصوغ خلاصة الرواية كلها بعد آخر كلمة، ويقول:
حذار...
حذار..
من جوعي ومن غضبي..

فياليت الذين يدعون محبتنا نفاقا، يفكرون أن "سيزيف"، هو الذي يرمي الصخرة نحو القعر كلما وعدها بمكان في قمته...


تعليقات