📁 تدوينات جديدة

صاحبة المناديل الورقية | قصة: د. فاطمة الديبي

تعبت الفتاة المسكينة من الوقوف، ويئست من بيع شيء مما معها، فجمعت أشتاتها، ورجعت أدراجها تجر رجليها جرا وكأنها تساق كرها...

صاحبة المناديل الورقية

الزقاق شبه فارغ من المارة رغم أن الساعة لم تتجاوز التاسعة ليلا، ونسيم الخريف يلفح الوجوه ببرودته، والأشجار تتمايل أوراقها على هبات الرياح الخفيفة بين الحين والآخر، والغيوم قد حجبت ضوء القمر، الذي يتسلل من بينها متى تفرقت الغيوم، حتى يصل إلى الزقاق ليضفي عليه مسحة من الجمال المختلط بالوحشة، والبيوت المتواضعة قد أغلقت أبوابها الخشبية العتيقة، والأزقة البسيطة تتخللها بعض الحفر الممتلئة بالماء الآسن. في الجانب الأيسر للحي توجد مقهى بسيطة الأثاث والبناء في هذا المساء كالحي في سكونه وفراغه إلا من بعض المتسكعين. ومع ذلك فالإنسان يشعر في هذا الزقاق ببعض الارتياح، ربما لأنه بعيد عن الضوضاء والمظاهر المغرية، إذ يجد نفسه أمام مشهد صادق لا يحمل بين ثناياه أية مظاهر خادعة، وقد تكون مصدر اطمئنان، تلك البيوت المتواضعة ذات الجدران الحجرية القديمة، التي مرت عليها السنون وبنتها أيدٍ علاها الثرى ونسيتها الذاكرة، إحدى هذه البيوت كانت تحظى بانتباه فتاة واقفة على الرصيف الأيمن للحي، المقابل لذلك المنزل الكئيب، المظلم. لم تكن هذه الفتاة واقفة تتأمل منظره وقد أخذها سحره الطبيعي، ولا كانت تنتظر أحدا، إنما كانت بائعة... نعم بائعة علب المناديل الورقية... فتاة ذات قامة معتدلة، لم تتجاوز الثامنة عشر من عمرها؛ شعرها أسود حريري، وثيابها بالية لكنها نظيفة، ومع ذلك لم ينقص شيء من جمالها الطبيعي الساحر، هذا الجمال الذي كان يلفت نظر المارة؛ أنفها قرمزي، وعيناها سوداوان قد أعياهما التفكير المتواصل واليأس القاتل، عينان تحملان أكثر من معنى، والشقاء قد بدا بارزا فيهما، خدان في استدارة لطيفة يبعثان الارتياح في نفس الناظر إليهما، فم مقدود، وعنق أسمر بظ كأنه أفرغ من قالب، يدان ناعمتان قد أتعبتهما علب المناديل لطول مدة وقوفها، ومع ذلك تتحمل كل ذلك بل وحتى معاكسات المارة، من غزل تافه وكلام يبعث الاشمئزاز في نفسها.

تعبت الفتاة المسكينة من الوقوف، ويئست من بيع شيء مما معها، فجمعت أشتاتها، ورجعت أدراجها تجر رجليها جرا وكأنها تساق كرها، إنها تتجه إلى نفس البيت الذي كانت تتأمله وتتطلع إليه منذ بره، غير أنها كانت تجد في نفسها رغبة شديدة في البقاء خارجه حتى ساعة متأخرة، ولكن تعبها لم يرحمها.

د. فاطمة الديبي | المغرب

تعليقات