الأسير
قصة بقلم: عادل عطية
/ مصر
تصادقنا في السنة الأولى
من الدراسة الثانوية، ولكن الذي حدث في نهاية المطاف، أن صديقي التحق بكلية الطب، بينما
أنا التحقت بكلية العلوم التجارية.
لم أشعر بالغيرة، ولكن
شعرت حينها أن صداقتنا قد تهددت، وتسرّب إلىّ إحساس بات يغرس في عقلي الشعور الدائم،
بأن صديقي الذي التحق بكلية مرموقة، سيتشاوف عليّ.
وللأسف، اتخذت في لحظة
طائشة قراراً متهوراً بالابتعاد عنه، فكنت عندما ألمحه في الطريق، هنا أو هناك، أدير
وجهي بسرعة للاتجاه الآخر حتى لا يراني، مع أنني كنت أنزع إلى رؤياه في وهج الحنين.
ومرت الأيام... وفي
ذات مرّة، مرّ بجانبي بالجامعة، ولكنه لم يلمحني. لم أدر وجهي آنذاك، وقررت أن أنادي
عليه حتى أعرف حقيقة ذلك الإحساس، الذي سيطر عليّ طويلاً. وبالفعل ناديت باسمه.
ولم يكد يراني حتى
أقبل نحوي لاهثاً بشدة وكأنه كان يركض، وأخذ يعانقني طويلاً، ويسفح على صدري دموع الشوق
وفرحة الترحيب، وكأنه التقى منتهى ما يريد!
ورثيت لحالي، ولكل
الجهد الذي بذلته في الاختفاء منه، بسبب أفكار مسبقة خاطئة عنه... فلا سجن أسوأ من
الظن السيء، ولا خسارة أسوأ من خسارة شخص يحمل لقب إنسان على هذا السيّار الذي نعيش
فيه!
قراءة "أصداء الفكر"
تبحر قصة "الأسير"
للكاتب عادل عطية في عمق العلاقات الإنسانية، وتكشف عن الصراعات الداخلية بين الفرد والذات.
تبدأ الحكاية بصداقة بين اثنين تفرق بينهما مسارات الحياة المهنية، حيث يتجه أحدهما
إلى كلية الطب المرموقة بينما يتجه الآخر إلى كلية العلوم التجارية. هنا، يتولد لدى
الراوي شعور بالنقص، متمثلًا في خشيته من تفاخر صديقه عليه، مما يدفعه للابتعاد وتجنب
المواجهة.
لكن هذا الابتعاد ليس
مجرد فعل جسدي، بل هو انعكاس للقيود النفسية التي تقيده، حيث يعيش أسيرًا لأفكاره السلبية
والظنون الخاطئة. وفي لحظة تحرر، يقرر الراوي مواجهة صديقه، ليكتشف أن كل مخاوفه كانت
وهمية. اللقاء يعبر عن لحظة تطهير، حيث يهرع الصديق لمعانقته بفرح ودموع الشوق، مما
يكشف عن عمق المحبة والولاء.
من خلال هذا اللقاء،
يدرك الراوي أن الأسوأ من فقدان الصديق هو العيش في سجن الظنون السيئة. تتجلى هنا الحكمة
العميقة بأن التحرر من القيود النفسية يتطلب مواجهة الذات وإعادة النظر في الأحكام
المسبقة، وأن الصداقة الحقيقية تتخطى كل تلك العراقيل لتظهر في أبهى صورها. قصة
"الأسير" تدعونا للتأمل في طبيعة العلاقات الإنسانية وأهمية التغلب على المخاوف
الداخلية لتحقيق السلام الداخلي والانسجام مع الآخرين.