📁 تدوينات جديدة

عنقاء | بقلم: ياسمين بنعزيزة

أنا أعاني الانفصام بين تراكمات نفسي وضوضاء الآخرين… أذوب وأهدافي المُخمَدة، وأَحترق شيئا فشيئا إلى الرّماد والعدم حتى أنتهي حُطام إنسان…

عنقاء | بقلم: ياسمين بنعزيزة

تونس | ياسمين بنعزيزة


هناك… في مكان بعمق الأدغال، ظلمة الكهوف ووحشة القبور، مرورا بدهاليز السنين، وأميال من العمر والفرص والبدايات الّتي لم تكتمل… أقبع دون حراك أمام العجز، وعلى فمي حاجز الصّمت، وبين ضلوع صدري أحمل آثار هراوات الكبت والغصب، وفي يدي قد بُعثت وردة حمراء قانية تجذرت بعروقي وارتوت بدمي وظلّت تدفعني للجموح وكسر القيود؛ كان لونها يجذب نقاء عيني فيغريها بالاندفاع نحو المجهول دون تردد يقنعها بحلم التمرّد…

ولكن داء اليأس قد توغّل في الأفكار وسرق الأحلام؛ نهش الطموح واستأصل الإرادة وعظم حتى صار أشد فتكا من إغواء وردة، فعقد رباط الخمول، كبّل القدمين ومنعَني من التّقدّم والنّهوض وحتّى المحاولة، وفرض علي الاستسلام للهوَان حتى نسيت أنني إنسان…

ارتديت الخُنوع، فضلت اجترار الأوهام المسبقة، غيّبت عقلي ونيمت قلبي وانضممت إلى القطيع أعتنق مثلهم فن التكرار… وها أنا الآن أتآكل من الدّاخل، مُشرّدة المشاعر، عاشقة لا للسّراب بلا مأوى الأمان، ولا لحياة السّلام، لاجئة في نفق التّشتّت…

أنا أعاني الانفصام بين تراكمات نفسي وضوضاء الآخرين… أذوب وأهدافي المُخمَدة، وأَحترق شيئا فشيئا إلى الرّماد والعدم حتى أنتهي حُطام إنسان…

استقرت ذاتي في قاع مبهم مؤلم مشحون بالمخاوف والصراعات… وفهمت أنني كنت ضحيّة لنفسي، حتى أنّ وردة أملي كانت بين يديّ تنظر في عيني، وتجاهلتها، وظَللت أتهاوى وأتوهم النهاية، ولم أعبأ بحياة كانت بين يديّ، ولم أَمتنَّ ولم أرْضَ، بل استسلمت للإخفاق وقدّمت نفسي له قربانا…

الآن استفقت حين استجمعت حطامي، وقرّرت أن أولد ولادة جديدة؛ فهرعت وروحي العطشى أروي الظمأ من نهر الشفاء، أعبر به إلى ضفة التجاوز، فأغسل أخطائي وأتقبّل ذاتي، وأفهم أنّني مررت بتجربة العجز أمام مصاعب وُجدت لأتغيّر وأتطوّر… وتشافت جراحي بضمادات من رضى، وتلاشت الأوجاع بالحب وأصبحت بعقل أنضج، ونهضت… ليس على قدمين فحسب، بل ولي جناحان من ثقة وأمان…

أدركت أنّ الحياة كانت بسيطة وسهلة، ولكني ضعيفة أمامها… الآن أنا جاهزة للمضي قدما مهما تجاسرت الحواجز والعراقيل فأناي الجديدة مولودة من رحم قاع مقفر قد انتفضت بقلب جريء وعقل مكافح… أناي الآن أشدّ للتّحدي…
_________________________________________________________________________

تعليقات