📁 تدوينات جديدة

قلمي العنقائي︱قصة: عبد الإله بوزين

قلمي العنقائي︱قصة: عبد الإله بوزين
 🖋 عبد الإله بوزين︱المغرب 

بعد أن ردموا جثتي تحت التراب، ونعى النعاة قبري للأهل فندبوا، عادت روحي من جديد وكأنني طائر العنقاء. أُحرق فيخرج من رمادي طائر آخر اسمه الموروث الثقافي. يحلّق بجناحيه الكبيرين بين القراء على ضوء الشموع، فيحطّ بساقيه الناعمتين على سطور مخطوطاتي.

تارة يتغنى بصوته العذب على أنغام نص "أرض الزيتون"، وتارة أخرى يخطف بجناحيه لينام على مخطوط "شجرة الوهم" ويقتات من برتقالها الأحمر. وحين شعر بالوحدة، سافر على متن "قطار الحياة" حيث ساحة "دخان الحب". تغزل بذات العينين الزرقاوين وتلصص جمالها البهي من قمة سور مولاي إسماعيل، وهاتفها عبر خط "رنة هاتف" ليحدثها عن تجاربه السابقة ومشواره الدراسي بخطاب "شبح الدراسة". حين برحه الأستاذ ضرباً بعصى الخرواع بعد أن أدمى دفتر الدروس، أعجبت الحسناء ببوحه الأليم وطموحه اللامتناهي، وقبلته زوجاً لها.

مشى بها على ظهره بخطوات متراتبة ليرقدا في خيمة مخطوط "غفوة أشبه بالموت". وعند الصباح، حملها بمنقاره الطويل وهاجر بها إلى الأطلس المتوسط حيث مكتبته المزينة بالشواهد الذهبية. قرأ لها قصتين من قصصه الرومانسية، إحداهما في الشفق، وأخرى في الغسق.

كان ذلك حين كانت الشمس على ضفاف غروبها، بدأ حكاية بقصة "حب أعمى" فقال متشائماً: «يقودني حبها نحو المآزق والحرائق، تحديداً لحظة التجلي والصفاء تظهر فظاعتي وسماجة خلقتي. أغمض عينيّ ساعات أصارع قبحي، وأفتحهما برهة لأتلصص جمالها البهي. أعشقها حد الجنون، لكن بشاعتي حالت دون ذلك. فكيف لي أن أكون حبيبها، وأنا الدميم الرديء الشنيع؟ «

أفهمها من ألغازه أنه لا يؤمن بهذه العلاقة، وأن الشك قائم عنده. ذرفت الحسناء الفاتنة الدموع على صدره، وصامت الكلام كأنها بكماء التصق لسانها بأسنانها. وفي غسق الليل، طوى قصته الأولى وأخذ أخرى من مكتبته وصار يقرأ لها قصة "بصيرة عاشق". حمحم أولاً ثم قال: «لما صرت مفتوناً بها، أدبرت غير مكترثة بمشاعري. وفي غضون غيابها، أوقدت الذاكرة نيراناً حارقة تلحف دواخلي، كشمعة أحرق فتيلها فالتصقت بالطاولة. خبطت برأسي لأحدث ارتجاجاً لعله ينساها، فهتف هاتف: "إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور". أمام هذا الضياع المستبد، أدركت أخيراً أن البصيرة مرتبطة بالقلوب، ولا يمكننا التداوي منها إلا إذا انتزع النيّاط من مكانه. فكيف لي أن أقطع الرابط بين العقل والفؤاد، وهما وجهان لعملة واحدة؟ «

استفزتها قصصه، وقطّعت أوتار قلبها، فأعلنت الانتقام منه، وخانته مع رجل آخر في قصر "الأسود الخائن والأزرق المطيع".

حين اكتشف غدرها، فقد بوصلته في "التيه الأكبر". يمشي بين سطوره مهموماً كأنما يمشي على وجهه. صار يكابد النسيان، ويحاول محو الذاكرة، لكن ذاكرته تستيقظ في كل مكان وزمان لتنغص عيشته، تذكره بما أنفق عليها وهي غادرة خائنة. بعد سنين طوال، بلغ "أرض كنعان"، ووقف يندب الأطلال حتى كادت أن تغرقه دموعه. استخرج طائر العنقاء سيفاً من تحت جناحيه، وأقسم أن يقتل بقتلاه مئة ألف جندي على مخطوط "الأرض لي". وحين نال مما حلف عليه باليمين، جلس جلسة محارب يستريح وهو جريح، تتقاطر دماؤه من كل جسده، فناشد إخوته من محققين ونقاد، ونشد لهم شعراً بصوته الغنائي، ومطلعه:

"أَعيدوا إحْياءَ الماضي، لاستلهامِ الطريقةَ المُثلى التي تعينُكم على بناءِ الحاضرِ، وأكملوا مقطوعة "أيها العرب" فإن الموت سرقني قبل إتمامها."

تعليقات