في رواية (أرض اللذة) لسارة البدري من الخيوط الكثيرة، والتي تجعل من قارئها يراجع الصفحات أكثر من مرّة. وكما تصف هي بطل الرواية مروان عبد الهادي الذي يدرس التاريخ “وقعت في يده مخطوطة أثريّة عن عالم ساحر أربكه ودفعه دفعاً للخروج من شرنقته…”
ولو تقصيّنا العَالم الساحر من خلال ثلاثمائة وثمانية وثلاثين صفحة في العمل على تدوين مخطوطة عن الآثار بتداخل من الشبكة العنكبوتيّة ويشترك مروان بمساعدة والدته استاذة التاريخ في الجامعة مع مصباح ونانسي في دائرة المكان مكتبة الإسكندريّة، وتوسيع تلك الدائرة مع مكتبات فرنسا وطهران ص٣٢.
وإذا أشرّنا في دلالة الرواية -لعبة الأمكنة- فإنّ هذا التوصيف يشمل توزيعاً متناسقاً مع صفحات الرواية، ومن ذلك الحوارات بين مروان وأمّه ص٣٤، ومروان ومصباح حول الخليقة والتاريخ ص٣٧عن أصل العرب “المشكلة إنّك رأيت مثلي ما هو التاريخ ايها المصباح…” ص٣٧. ويحتدم الجدل عن اللّغة العربيّة وأصل العرب والكتب المدرسيّة وعن سبإ في اليمن.
يذكر الباحث والمفكّر علي حرب “إنّ المجتمعات العربيّة مجتمعات ذات تاريخ مكاني …” وإذا كانت الكتابة عن التاريخ تتطلّب قال-يقول، ولكن ما نجده في الرواية بالأسلوب العامِيّ، وهذا يحسب للروائية في نقل أحاديث الناس شفاهاً بما تحمله من صدق أو كذب.
وتستمر الساردة في التاريخ الحديث ص٤٧ عن عيوب الزعماء المصريين منذ يوليو وحتى أحداث الربيع العربيّ، وسيرة صلاح الدين وإشكاليّة كلمة آمين ص٩٢.
ولكي تدخل الروائية الغرائبي من الأحداث المتشعبة وتحّدد الأصوات واللغات من الأمكنة المتحرّكة فإنّها تجعل من مصطلح شعب الصخرة والوزّانة المنحى التصاعديّ كما في ص٩٨ و١٠٤ و٣٢٥ والصراع المستمّر “تحدثّنا طويلا عن شعب الصخرة يحبّون الرقص والغناء، يمثلون لأمر الجديّة التي لا تخشى على نفسها…” ص٣٢٨.
إذن ما الجهد الروائي في أرض اللذة؟ نراجع قول الكاتب البريطاني صموئيل جونسون “ما يُكتب دون جهد يُقرأ بدون متعة.” وهو ما ثبت على الرواية، حيث سعت الكاتبة إلى التشعّب الزائد عن حدّه في السياسة ص٨٢ (أمريكا/السعوديّة) (داعش/الحوثيّ) عن موقع الجزيرة العربية ص١٤٢، وذكر الدواعش وأحداث الخليج عن إثيوبيا ص٣٢٢، مع ذكر داعش وذكر للسيسي وإيران ص٣٠٥، وهذا كلّه في الجانب السياسيّ.
امّا الجانب الدينيّ فقد شمل عرضا عن الأديان والمِلل ص٢٩، وعن الألوهيّة ومفاهيم الربوبية ص١٩٨، وعن الشذوذ في ذكر قوم لوط، وعن الاقباط ص٢١٨، والدين من ص٢٣٨/٢٤٠ وجدال حول الروح والجسد ص٢٧١/٢٧٥.
وهذا الجدال استغرق ثلثي الرواية دون نتائج من السرد لأحداث هي محل اختلاف في التاريخ على مرّ العصور، ولم تستند إلى أسطورة متجذّرة في الأدب المصري تستند عليها…
وما يتبقى من الرواية فهو سرد لأرض اللذة وإشارة إلى فلسطين من دلالة ذكر الزيتون ص٢٣٨، وسمة أخرى في تعدد الشخصيّات من ذلك أسامة ابن خالة مروان ورغبته في الانضمام للدولة الإسلاميّة، وشخصيّة الخادم عايش وهي أنثى، وشخصية أروى وشخصية ناردين بوصفها حيّة وصراعها مع الجدّة ص٢٠٧ “احذري يا وزانّة الشعب اليوم يراني الفاتحة…” ولكن لم تذكر أيّ فتوحات لها.
والحوار عن تسمية أرض اللذة ص٢٠٧… لماذا إذن سُميّت أرض اللذة ومع جنوح الكاتبة إلى المزج بين أمكنة الواقع وامكنة البحث عن الممالك المنتهية مثل أكسوم ص٢٨٣؟ “عرفت إنّ بداية الحضارة في هذه المنطقة فإنّ العَالم الافتراضي الفيس بوك يدخل مِن خلال رسائل مصطفى مع مروان… طبعاً طبعاً، إزيّك يا مصطفى؟ بخير أنا بكلّم مصباح بقالي فترة تلفونه مقفول هو كويّس…” ص٢٨٠.
نقف عند هذا الحدّ من خط سير الرواية لمعرفة الهدف من الرواية. يقول الناقد صادق ناصر الصكر “إنّ الهدف مِن الرواية هو تقديم وعي متسّع الزاوية لأنّ الوعي اليومي ضيّق ومحدود، والرّواية واحدة مِن أكبر التعويضات الممتعة التي استطاع الإنسان أن يبتكرها لحّد الآن” مجلة تامِرّا ٢٠١٩ ص١٢٥. هذا الرأي ينطبق على رواية (أرض اللذة) والتي أخفقت في تعويض متعة القارئ عِبر أسلوب التشعّب اعتماداً على القارئ هو مجال جدل، حتى زمن التكنولوجيا والرّواية لم تجرِ على نمط روائي واحد، بل تعددت وأصبح مِن الصعب الدلالة على ما يربط بعضها ببعض لمجتمع لم يعد يقبل بالتأويلات الكثيرة التي وردت فيها.
قراءة: علي إبراهيم