📁 تدوينات جديدة

حلب الأمل | قصة: فداء شحدة بركة

حلب الأمل | قصة: فداء شحدة بركة

فلسطين | فداء شحدة بركة 

في نهار صيفي لطيف، هبت نسمات باردة على جبين سيدة تسكن داخل خيمة نازحة بعد أن قصف الاحتلال بيتها. أخرجت رأسها من نافذة الخيمة الحارة لتستقبل نهارًا جديدًا.

سُرت السيدة بهذه النسمات اللطيفة التي لثمت خديها، وابتسمت عندما رأت العصافير تزقزق والحمام الأبيض يطير بين خيوط الشمس المنسدلة على خيمتها. قالت في نفسها متفائلة: "لعله يوم جيد..." واستقبلته بحفاوة.

استنشقت الهواء النظيف قبل الشروق، ثم همت بالخروج من خيمتها نحو الباب لتغسل وجهها الندي ببعض قطرات الماء التي بقيت في الإناء، منتظرة عربة الماء لتقوم بتعبئة أوانيها الفارغة.

وشعرها الرطب ينسدل مع أول نسمة منعشة، رأت السيدة خيال رجل قادم من بعيد. إنه الشاب اللطيف، حسن المنظر ونظيف الملبس، يدفع أمامه عربة خشبية يحمل على متنها صندوقًا زجاجيًا يلمع باستمرار، وبداخله حلوى "الحلب" يسيل لها اللعاب.

الشاب مهندم الشكل، يهتم بالنظافة، يحفظ الحلوى في صندوق مغلق يقيها من الغبار والحشرات، ولا يلمس أي قطعة بيديه، بل يستخدم أداة خاصة لحملها، ثم يضعها في أكياس بلاستيكية شفافة صغيرة. اكتسب الشاب محبة الصغار والكبار لجودة بضاعته وإخلاصه في عمله ونظافته وحبه للآخرين.

اقترب الشاب من باب الخيمة وقال للسيدة: "هل تريدين بعض الحلب؟"

أجابت السيدة مستغربة: "نعم."

قال الشاب البائع: "حسنًا، بكم تريدين؟"

أجابت السيدة: "بعشرة شواكل."

أخرجت السيدة القطع النقدية من كيس صغير مخبإ داخل صدرها ثم قالت له: "هاك."

ثم سألته بعدما أصابها الذهول من شكله ونظافته: "يبدو أنك شخص متعلم وذو مركز. هل هذا صحيح؟"

أجاب البائع والدموع تترقرق في عينيه: "كنت أعيش في ألمانيا، وعدت إلى غزة لأخذ عروسي وأتزوج هنا ثم أعود إلى بيتي وعملي في ألمانيا."

سألت السيدة متفاجئة: "ماذا حصل؟"

قال الشاب: "أنا نازح من الشمال إلى الجنوب، وكان من المفترض أن أتزوج هذا الصيف وأخذ عروسي وأسافر، لكن العدو أغار على المدينة بحزام ناري قتل العشرات، بما فيهم عروسي وجميع أفراد أسرتها. لم يتبقَ سوى أخوها الصغير، وها هو يتجول معي لنبيع الحلوى."

بكت السيدة النازحة على حال الشاب، وأخذت منه الحلوى بعدما دفعت له. غادر مبتسمًا قائلًا لها: "لا تبكي... الحلب ينسيك همومك ويُحلّي يومك.'"

أخذت السيدة تهمهم وهي تبكي: "لا بارك الله فيمن صنع هذا الخراب في البيت والولد والمال."

تعليقات