سان فرانسيسكو | نسرين الطويل
هاجس انتظار الوقت الذي طال يسرق أعمارنا ونحن في محطات حياتنا وقد تكون الأخيرة، هي اللعبة في بندول الوقت وأرجوحة الثواني عند أول محطة من وقتنا الضائع، تلك الأشهر التسعة التي قضيناها في تلك الأرحام المغلقة بانتظار أن نخرج إلى حياة العدم وقد دخلناها مكرهين.
البعض منا ترك الحياة وصعد إلى سماء الله وقد ملَّ لعبة الوقت الضائع تلك، لم يطل الوقت بنا وحتى انتظار أهلنا والقادم الجديد بقي صامتاً، الآن يحبو وغدا يمشي ومن بعدها تكون المدرسة في انتظاره ويا هل ترى كم كانت ساعة الدرس في صفنا الأول طويلة، وعندما قرع الجرس كان تخرجنا من الجامعة سريعاً، من منا لم ينتظر ترك مدرسته باكرا إلى عمل يليق بأحلامه دون انتظاره؟
انتظار لعمل وراتب نتقاضاه وخطوبة وزواج، والآن تأخر ابننا العزيز أن يفد إلينا من رحم الانتظار وقد سبقناه إليه بعقدين من ذاك العمر الراحل.
وما بين حلو ومر الانتظار علينا أن ننتظر، قد ننتصر وقد ننهزم، كما أن نهاية الحياة قد لا تكون بموت، لأنه بمجرد انتظارنا فإننا نموت بعدد الثواني التي مرت علينا، ففي اللحظات الأخيرة لانتظار طويل وعندما نصل لنكون بين قدرين، بين قمّة السعادة التي كنا نأملها، وبين قمّة الحزن الذي نخشى أن يقتلنا، نبقى على محك الانتظار بإحساس مخيف حيث ذاك المجهول الذي انتظرناه سيُطل علينا بعد لحظات، نحس ونشعر وحتى ندرك عندها أن العمر توقف.
فعندما يكون الانتظار طويلا يصبح طول النوم أكثر شيء مسلٍ بالنسبة لنا، بهروبنا وحتى يلهينا كي لا نقضي صحونا في النظر إلى عداد الوقت البطيء ذاك الذي يمر على رقابنا.
إن أقسى ما في الانتظار أن يصير الوقت بلا وقت، وحتى المكان يكون بلا مكان خشية أن ذاك الانتظار يحمل معه النهاية.
إنه ومن العجب أن يكون انتظار الليل أطول من انتظار الصبح مع أننا نقضيه في النوم.
إن أحلى ما في الحادثة والصدفة الحلوة وحتى اللحظة العابرة أنها لا تخضع للعبة الانتظار تلك، حيث يتجاوزها عقرب الثواني مسرعا، بعد أن يمضي الوقت ونصحو من سكرة سعادة الصدفة التي صدمتنا بفرح، ونبدأ بالعودة إلى لعبة الانتظار ظناً أن ما مر بنا كان مجرد حلم، ويبقى أمرّ انتظار وأقسى انتظار وربما حتى أنه يقتلنا.
في نهاية المطاف إن كان الخط لازال مشغولا، علينا الانتظار والمحاولة مرة أخرى، وأقسى ما يقع على القلوب هو أن يكون ما ننتظره خارج الخدمة، والمصيبة الكبرى أن يكون رقم انتظارنا خاطئا.
ربما يبقى الأمر الصحيح أن نجعل من لحظتنا الحالية التي نقف عليها مدعاة لإسقاط ذاك الانتظار، لأن الحياة علمتنا أن اللحظة المناسبة التي ننتظرها منذ عمر طويل قد لا تأتي، وقد تكون القدرة على الانتظار ما هي إلا لترقب ما كنا نتوقعه أمرا عاديا إذا ما قورن بتصرفنا السليم والعقلاني خلال فترة الانتظار القاسية تلك، وشئنا أم أبينا فإن كل شيء سوف ينقضي ويمضي، لذا فإن أهم شيء ألا نجعل تلك الفترة بانتظار قاتل يقضي علينا.
وختاما، إن النظر إلى عداد الوقت وهو يمضي يجعلنا نرى عقرب الثواني يمشي إلى الوراء ونحن نشيخ، وقبل أن يأتي الموعد المنشود نكون قد قضينا على أنفسنا بتشنج انتظارنا، فما بين حلو ومر سيمضي إن أحببنا خاتمة الانتظار تلك أم لم نحبها سوف تكون واقعنا الذي علينا تقبله طوعا أو كرها، ومن سطحية الانتظار أن نظن أن الأخرين سيعطوننا فرصة للوصول إلى ما نصبو إليه وأن أعمارنا قاعة وصول، و بسبب عدم فهمنا لمعنى الانتظار فإن كل رحلات الفرح القادمة من بعد انتظار قد ألغيت، وأن ثواني الانتظار الطويلة عندما نرقب وجوهنا في المرآة ويمضي عقرب الانتظار ومنتهاه وأقسى ما كان فيه أنه لم يحطمنا، وإنما ببرودة ثوانيه وهي تزحف على جليد انتظارنا حطم حتى تلك المرآة، وقد أصبحت مهشمة مثلنا، عندها نقول كم كان ذاك الانتظار قاتلا وقد أصبحنا ضحايا ذلك الوقت الضائع.