📁 تدوينات جديدة

قصائد حصرية للشاعرة اللبنانية آمنة ناصر: على هيئة حب، أنين الغياب وطائر الغربة

قصائد حصرية للشاعرة اللبنانية آمنة ناصر

على هيئة حب 

موتٌ بارد 
يتدلّى من تلك القباب 
التي تتزاحم مع خيوط العناكب 
في نسج الأرق والظلمات 
تلك الخيوط السوداء المبللة 
من دموع اللامبالاة والنسيان 
من مطر مرير أسيدي حارق 
يخترق كل الأشجار المنتصبة على هيئة أحفاد الريح 
حفيفها صامت ومخيف 
يجرّ أذيال الخيبة 
النابعة من صخور عتيقة 
اختفى وجهها وشحب من كثرة اضطراب الموج
وصفعهِ وجناتها المتشققة
وجبينها المتآكل من تجاعيد القهر والإنتظار
لم يبقَ للصيادين صبرٌ
فوق ذاك الصخر
عند ذاك البحر
لالتقاط الأمل
في شباكهم المثقوبة من الخذلان واليأس
رست على جفونهم قوارب الحنين
تلك التي تاهت عن مواعيد اللقاء
وتعطّرت بأنين النوارس التي بكت مع أول غيمة وداع
لماذا الحب لا يبقى سعيدا؟
من لوّنه بريشات اليمام المهاجر الذي لا يعود؟
من قيّده بسلاسل الاتهام بأنّه جلاّد القلوب وسجّان الأحرار؟
من أهداه نبتة سحرية مسمومة أودت إلى طرحه مغميا عليه في هذا الكوكب؟
رفقًا بالحبّ! دعوه يبقى نقيا
وابعدوا عنه كل نواياكم السيئة
أعيدوا إلى حياتكم الحياة.

آمنة ناصر
2024/04/20

أنين الغياب

أنا الغياب
أقرأتَ يوما كتاب الغياب؟
هل تصفّحت أوراقه؟
أتعرّفتَ إلى مدينته
والعابرين إليها
فكل أسمائهم قد تغيرت
وكل ملامحهم
ما اللافت في تلك المدينة الغامضة كي تجذب الأحبة إليها؟
أمي...
ما هو رقم القطار الذي أقلّك إلى هناك؟
وأنا أنتظر رقم القاطرة التي ستأخذني إليك
عساني ألمح ملامحك الطيبة من خلف الزجاج
عساك تلتقطين يدي التي أمدها لمعانقتك
فأنا سئمت نفسي وأنا أحضن الهواء
في عيني شتاء لا يجف
زمهريره يمزق ألوان قوس قزح في نظري
أمي... مذ غيابك
أصبحت أُدعى "غياب"
حتى آثار أقدامي صارت هواء فوق التراب
ريشتي ما عادت ترسم قلبا فوق السحاب
نعم يا أمي
صرت الغياب في ذاكرة هذا الفضاء
صرت الفراغ في مكاني
والصمت في صوتي
في داخلي أنين كبير يا أمي
وأتساءل كيف صرتُ الغياب قبل غيابي
كيف تغيب الحياة وما زلت من الأحياء الذين يرزقون
كل هذا الضجيج من حولي
لا أسمعه
بل إني أُنصت لمناداتي: أمي
نسيت كل من عبروا واجتازوا طريقي
كلهم قد أخذوا أمتعتهم معهم
إلا أنت ما زلت أيقونة السفر
حقائبك الملأى بالبسمات والنهفات والكلمات الأنيقة
ما زالت هنا في قلبي
كلّهم عبروا إلى الغياب
إلا أنتِ يا أمي
ما زلتُ أجرع من جرار عطفك
رغم طرقات الغياب المتفرقة
واحترت أي غياب معاناتي
هل غيابي عن نفسي
غيابي عن دنياي
غيابي عن حواسي وانفاسي
انا ضائعة بين الغيابات
وغياهب الظلمات
حتى بات الغياب الخبز الذي أقتات
من يملأ بي الفراغات
من أنا؟
وما نفع وجودي حين أصير غيابًا في ذاكرة الراحلين؟

آمنة محمد ناصر
السبت 2024/07/06

طائر الغربة

أرهقت عيناي من شرودي
سفري مساحات فضاء
دون حدودِ
شفتاي بلبل دون تغريدِ
جنحاي مكتوفان معقودان
كجذع دالية دونما عناقيدِ
أريد أن أصرخ وأبكي
حتى الدمع طوّق المحادق
يخشى أن يسيل هدرًا
ما تبّقى لسيله من خدودِ
أنا طائر غريب
في بلادي
أمسح من أمام رؤيتي
الغيم الرمادي
أبحث عن بلسم
لأضمّد جنحي المكسور
فما من ضمادِ..
أنا الملعون
في بلدي
أحمل لعنة جنسيتي
ولعنة بصماتي
ولغتي تحمل أوزار
كل بحور الفراهيدي.
ما عدت أفقه حرية
ولا مناجاة
في محبرتي جفّ مدادي
كما غاب اللون عن وجه بلادي
أنا الطائرالطليق
الملاحق بخطيئة الطريدِ
أنا طائرٌ في غربة
وطني
أحسبني طفلاً لقيطًا
تحت رحمة خالة متسلطة
وأب ضعيف رعديدِ
لطالما أنشدت الأمان
في بلدي
لطالما صبوت لحريّتي
وأيّ حرية تلقاها في وطن
تحكمه حفنة من العبيد...

آمنة ناصر
٢٥ آب ٢٠٢٢

تعليقات