📁 تدوينات جديدة

الابتزاز الإلكتروني… المدخل التربوي: أولى خطوات علاج الظاهرة | عماد الزوري

الابتزاز الإلكتروني… المدخل التربوي: أولى خطوات علاج الظاهرة  | عماد الزوري

المغرب | عماد الزوري 

كما هي العادة مع كل واقعة مماثلة، أعادت واقعة انتحار الشابة المصرية بسنت خالد (...) موضوع الابتزاز الإلكتروني ذو الطابع الجنسي إلى الواجهة الإعلامية والنقاش المجتمعي، وعاد معها الحديث مجددا عن هذه الظاهرة، التي لا يختلف اثنان اليوم على أنها باتت تفرض نفسها بحدة على واقع حياتنا المعاصرة، بسبب الرياح العاتية للطفرة التكنولوجية التي عصفت بمجتمعاتنا، فغيرت الكثير في نمط حياتنا وأثرت سلبا على بنيتنا الاجتماعية والقيمية.

 سنحاول من خلال هذا المقال وضع إطار مفاهيمي للموضوع، عبر تحديد مفهوم الابتزاز الإلكتروني ذو الطابع الجنسي، ثم ننتقل لتناول الآثار النفسية والاجتماعية للظاهرة على الفرد والمجتمع، وصولا إلى اقتراح بعض السبل التي قد تشكل حلولا تساعدنا على الحد من الظاهرة.

يلجأ البعض إلى الاستخدام السلبي للوسائط الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف تهديد الأفراد جسديا أو نفسيا أو معنويا، حيث يتم نشر الشائعات والأكاذيب القذرة بهدف تشويه سمعتهم والإضرار بمكانتهم الاجتماعية.

تعد هذه الظاهرة السلبية معروفة بمصطلح الابتزاز الإلكتروني والذي أدى إلى تسريب الأسرار والمعلومات الخاصة. وهذا يضع الأفراد ضحايا تحت ضغط كبير لدفع مبالغ مالية أو الانقياد لمطالب مرغمة من قبل من يمارسون هذا النوع من الابتزاز.

 يمكن أن تكون العديد من الأسباب وراء انتشار الابتزاز الإلكتروني، مثل سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من جانب، ونقص الأخلاقيات من جانب آخر، بالإضافة إلى انشغال الوالدين وعدم تلبية احتياجات أبنائهم وانعدام التواصل العاطفي معهم، خاصة مع انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير بين الشباب والمراهقين.

 بعيدا عن التعمق في دراسة الأسباب السالفة الذكر، سنحاول التركيز على الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة عن ظاهرة الابتزاز الإلكتروني بصفة عامة، والابتزاز الإلكتروني ذو الطابع الجنسي على وجه الخصوص.

 تعاني الضحية من عواقب جسيمة جراء جرائم الابتزاز الإلكتروني، حيث يتداخل الجانب النفسي مع الجوانب الاجتماعية. يصاحب هذه الواقعة شعور بالقلق والخوف، فقدان الثقة في النفس والآخرين بالإضافة إلى شعور بالذنب واللوم، ويتزايد لديها مستوى العصبية والحساسية والقلق من كل شيء. تنجم هذه المشاعر السلبية بشكل خاص من جراء شعور الضحية بالخوف من "الكشف على العار" من قبل عائلته والمجتمع.

 الاستمرار في التفكير بعواقب الابتزاز على حياتها الشخصية والأسرية والمهنية وتأثيره على علاقاتها الاجتماعية مع أصدقائها وزملائها يسفر عن اضطرابات نفسية تؤثر بشكل سلبي على تفاعلها مع محيطها الاجتماعي في نطاق الأسرة والعمل والأصدقاء، مما يجعلها تتجه نحو العزلة والانطواء، مما يمكن أن يؤدي إلى الاصابة بالاكتئاب، وقد يصل ذلك إلى محاولة الانتحار، خصوصا بعد الكشف عن واقعة الابتزاز وفضح "المستور".

 آثار الابتزاز الإلكتروني لا تقتصر على الضحية، بل تمتد لتؤثر على أفراد أسرتها، فتثير لديهم الحيرة والقلق بسبب التغيرات الملحوظة في حالة الضحية، وتجعلهم يشعرون بالمعاناة دون فهم الأسباب، ويصاحب ذلك شعورهم بالخزي والعار الناجم عن كشف فضيحة الابتزاز. إضافة إلى ذلك، قد تنجم عن ذلك تداعيات غير محمودة في العديد من السيناريوهات.

 هذا جانب من الآثار النفسية والاجتماعية لظاهرة الابتزاز الإلكتروني ذي الطابع الجنسي، وأكيد أن لها جوانب أخرى لا يسع المجال هنا لتسليط الضوء عليها، وإذا ما تأملنا حجم هذه الآثار والعواقب، تتضح لنا جليا خطورة الظاهرة وما تشكله من تهديد على حياة الفرد وسلامة المجتمع، حيث تنسف خصوصية الفرد وحياته الخاصة وتنشر أشد تفاصيلها حميمية أمام الملإ، كما تدمر الروابط الأسرية وتعصف بالعلاقات الاجتماعية وتضرب بها عرض الحائط. هذا يجعلنا أمام رهان كبير وجب على كل مكونات المجتمع التظافر والتآزر من أجل كسبه، ألا وهو رهان الحد من هذه الظاهرة وإيقاف نزيفها القاتل.

استنادا إلى المعطيات المتداولة إعلاميا، يمكننا القول أن الظاهرة متفشية بشكل أكبر في أوساط الشباب والمراهقين القاصرين، ومكونات المجتمع هي اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى تحمل مسؤولياتها وأداء مهمتها بشكل كامل، يجب عليها تغيير النمط التربوي التقليدي الذي كان يعتمد على الإملاء والرقابة والتلقين. يعد المدخل التربوي العامل المحوري في الحد من هذه الظاهرة من خلال المحاضن التربوية مثل الأسرة والمدرسة وغيرها... والانتقال إلى استخدام أساليب تربوية حديثة تأخذ في الاعتبار احتياجات هذا الجيل، وتستمع إلى تطلعاته وتوجهاته بشكل مبتكر. عليها أيضًا وضع حواجز ضد المتطفلين وراء الشاشات لحماية الأطفال.

الخطر المتربص بأبنائنا اليوم نتيجة استخدامهم للوسائط الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي يدعو إلى عدم انقطاع اليقظة والمتابعة المستمرة من الوالدين تجاه أطفالهم. إن أبناءنا اليوم بحاجة ماسة إلى أن نستمع إليهم ونحوّل الحوار والنقاش معهم. وحين لا تُلبى هذه الاحتياجات من قبل الأسرة، فإن الطفل يبحث عنها في مساحات أخرى، حتى لو كانت افتراضية. وبالتالي، تقع على عاتق الوالدين مسؤولية كبيرة بخصوص كيفية تفاعل الأبناء مع المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي.

إذكاء الوعي بخطورة التحدث مع الغرباء، وإفشاء الأسرار الأسرية والمعلومات الخاصة، وإجراء المكالمات الصوتية والمرئية، واجب على كل مرب كيفما كان موقعه، مع الحرص على غرس قيم المسؤولية والاحترام والحياء في نفوس الأبناء والدعوة إلى تمثلها سلوكا ننتهجه كل يوم. يجب إذكاء وعي الوالدين بضرورة التعامل السليم مع حالات الابتزاز الإلكتروني التي يمكن أن يتعرض لها أبناؤهم. وينبغي الانتباه والتحقق من الأمور بدقة كخطوة أولى، خاصة في زماننا الذي أصبحت فيه الصور غير موثوقة، وتتزايد الصور المفبركة بواسطة البرامج الإلكترونية المتقدمة.

طلب النصح من خبراء نفسيين واجتماعيين، ومستشارين تربويين ذوي خبرة، يُعَدُّ خُطوة سليمة في مواجهة الموقف بحكمة وتوازن، بعيدًا عن الأقوال العامة والتقييمات الاجتماعية.

تعليقات