المغرب | فاطمة الزهراء علمي
ذات شهر كان الجو هادئاً، والصيف يعلن تمرده بحرارته المشتعلة
وليله الصاخب. كانت سارة تتصفح، ككل ليلة، مواقع التواصل الاجتماعي بين الوتساب والفيسبوك.
وبينما هي تقرأ لبعض المدونين كعادتها، علقت دون أن يأخذ الحب إذن الدخول لقلبها النقي
آنذاك.
تدوينة صغيرة كانت كافية لتكون سبب قصة عشق لم تبرأ منها طوال
حياتها. البروفايل لشاب وسيم الملمح، ابتسامته وكأنها قطعة سكر على محياه، شعره الأسود
يحكي تفاصيل غامضة عن من يكون. وجهه المستدير ووجنتاه الحمراوان تبشرك بخجل يفوح كمسك
العنبر. هندامه الأنيق المرتب يعطي انطباعاً لأول وهلة عن إنسان مثقف ذو حنكة أدبية،
متشبع بعلوم الفقه والأدب العالمي وعاشق لتشي غيفارا.
سارة تعلق كما العادة لأي شخص وفي أي وقت فهي شخصية متمردة، جريئة
وشجاعة. تمردها تلك الليلة لم ينبهها لكارثة عشقية ستحل بها، فهي دائماً تشدها التدوينات
الغامضة وكأنها تقول لها "ها أنا ذي جئتك كي أفك شفرتك الغامضة."
"حين يأتي الليل يحن المرء لذكريات تكون منسية نهاراً."
كانت هذه العبارة التي توحي بأن صاحبها يعيش آنذاك إحساس الفقد والاشتياق لحبيبته التي
لم تعلم عنها شيئاً بعد. كانت كافية لتبحر سارة بحور العشق. علقت المشاغبة متسللة كلص
إلى عالم منير الهادئ لتحدث فيه فوضى عشقية بعدها.
"لا تجعل حنين الليل يفقدك مرارة النهار."
كان منير متربعاً على عرش التعليقات وكأنه ينتظر دخول سارة عالمه
لتنقذه من حنين واشتياق ذاك الليل الطويل الذي أفقده طعم النوم.
"على الخاص، مساء النور أستاذة."
"مساء الخير أستاذ."
"أعتقد أنك تائه في بحور العشق وعلى ما يبدو تعيش حالة انفصال؟"
يرد بضحكة افتراضية يغطي من خلالها الحزن الذي بداخله،
"مجرد تدوينة عابرة لا علاقة لأخرى بها."
أضاف وكأنه يحاول أن يخبئ سراً عميقاً كي لا تكتشفه سارة.
"ليس كل ما يدون حقيقة نعيشها. أحياناً نكتب كي نكتب فقط."
تحاول سارة أن تلملم موضوع التدوينة وأن تمر مرور العابرين عنها،
فهي ليست موضوعها بقدر ما يهمها أن تتعرف على منير الشاب المثقف الوسيم. لا تهمها بطولاته
في عالم الحب لأنها تعلم جيداً أنها قادرة أن تكون بطلة قصته وقلبه. مرت تلك الليلة
إلى صباح يوم غد وكأن الزمن توقف دون الشعور بالزمن الليلي، كأنهما كانا ينتظران بعضهما
على رصيف المحبة.
مرت الأيام والشهور بل وحتى السنتان في جنة الحب ولذة العشق.
أحبت سارة منير لدرجة أنها لم تكن تستطيع فراقه لا ليل ولا نهار. أصبح عالمها الجميل
الذي يخفف عنها مرارة ما كانت تعيشه. منير الذي كان يدلعها كطفلته الصغيرة ويعاملها
معاملة الأب لابنته والحبيب لمعشوقته. حلمت معه بطفلهما الوحيد ومنزل بلاطه من ألوان
العشق وأسواره من حب لا يزلزله أو تهدمه أنثى غيرها.
بعد مرور السنتين قررا أن يجعلا من قصتهما الافتراضية لقاء بمرارة
الواقع، اتفقا على أن يكون اللقاء لقاء عاشقين صبرا على بعد روحين وجسدين. جاء اليوم
الموعود، اليوم الذي خططا له خطة فاشلة كانت كافية لتكون سبباً في حنين واشتياق سيدوم
لسنوات عجاف أخرى.
استيقظت وكلها فرحة وحياة فمنير جعلها تقبل على الحياة بعد أن
كانت تائهة على أرصفة المرض والمستشفيات. لبست سروالها وقميصاً أبيض كبياض قلبها. توجهت
إلى صالون نسائي لتصفف شعرها وتخبئ ملامح وجهها المتعب بالمهدئات والمسكنات. فموت والدها
جعل منها مريضة بالصرع (Épilepsie)، كانت تعيش حالة من الفوضى الجسدية.
قلبها يخفق بشدة ويداها الصغيرتان ترتجفان كسندريلا خائفة من
انكشاف أمرها وأن تتعرض لنوبة صرع أمام حبيبها الذي يعرف عنها قوة شخصية وصموداً رغم
المرض. الساعة تتسارع عقاربها كسرعة البرق. بضع دقائق وسيلتقيان الحبيبان اللذان حلما
أحلاماً ونسجاها بخيط رث سهل التمزيق.
وقفت تنتظره على رصيف الحياة مقبلة عليه بشغف، الابتسامة تتوسط
وجهها الصغير. وقف منير على الجانب الآخر من الرصيف وسارة غير مصدقة ومستوعبة أنها
أخيراً التقت من انتظرته سنوات.
منير ينظر إلى سارة وكأنه يقول لها، "ها أنا جئتك حيث الأحلام
المؤجلة."
سارة تنظر إلى عينيه وتقول له، "وإن تكن مؤجلة سأنتظرها."
هل كنت تعلم؟