📁 تدوينات جديدة

من يقرأ مجلات الأطفال؟ | سيرين الرياحي

من يقرأ مجلات الأطفال؟ | سيرين الرياحي

تونس | سيرين الرياحي 

تصدر بوطننا العربي العشرات من مجلات الأطفال، منها الأسبوعية والشهرية والفصلية، يشرف عليها متخصصون في أدب الطفل يحذوهم طموح للرقي بصحافة الطفل إلى مصاف التجارب العالمية، وكلهم غيرة على المجال إلى درجة الاشتغال في غالبية الأحيان بشكل تطوعي... لكن تبقى الحصيلة متواضعة خاصة وأن أغلب مجلات الأطفال العربية توزع بشكل محدود وعلى صعيد محلي فقط مما يضطرنا إلى طرح التساؤل: من يقرأ مجلات الأطفال؟

وفي هذا الإطار، نستحضر وجهة نظر الكاتب الإنجليزي (نيكولاس تاكر) من كتابه (الطفل والكتاب)، الذي ترجمته إلى العربية الأستاذة (مها حسن بحبوح)، مفادها أنه يتعين على أية دراسة شاملة تجرى حول مطالعات الأطفال أن تهتم بالاتجاهات العامة وليس بالحالات الخاصة. وفي دراسة كهذه يبدو دائما وبشكل عام أن أطفال الطبقة العاملة يقرأون بمعدل أقل من أطفال الطبقة الوسطى. ويمكننا بالطبع أن نقول إننا قد نرى أحيانا قراء نهمين نشأوا داخل بيئات لم يجدوا فيها أي تشجيع على مطالعة الكتب، في نفس الوقت الذي نرى فيه ثلث الصبيان ممن هم في سن الرابعة عشر، ويتمتعون بذكاء لا بأس به، وممن نشأ ضمن بيوت وعائلات تنتمي للطبقة المتوسطة، نجدهم لم يقرأوا على الإطلاق كتابا واحدا بقصد الاستمتاع. ورغم كل ما سبق يقدم لنا مسار البحث شكلا مناقضا، تماما فهو يظهر أن الأطفال ذوي الإمكانيات الضعيفة يقرؤون أقل مما يقرأ الأطفال ذوي الإمكانيات القوية، والصبيان يقرؤون أقل مما تقرأ الفتيات.

ولدى محاولة تفسير عدم التوازن الأخير بين الجنسين، نرى مثلا أن الصبيان يواجهون بشكل عام صعوبات أكبر من تلك التي تواجهها الفتيات أثناء تعلم مهارات القراءة، وقد يستمر هذا الاختلاف في الحياة المستقبلية، ومع ذلك، تم تقييم أكثر من ثلثي الصبيان الذين لم يظهروا فيما بعد اهتماما بالأدب، من قبل مدرسيهم بحدود الوسط أو ما فوق خلال تقييم الإنجازات المدرسية بشكل عام. ورغم ذلك، تساعد حقيقةُ أن الصبيان يواجهون صعوبات أكبر في البداية عند تعلم القراءة، على تصنيف المطالعة، في نظر الأطفال، على أنها نشاط أنثوي في غالب الأحيان، وقد يدعم هذه النظرة إدراك الطفل للدور الذي تلعبه مطالعة الكتب في عالم الكبار. ففي البيوت تقوم الأمهات أكثر من الآباء بقراءة الكتب للأطفال. ويشعر الصبيان بدورهم في تأكيد رجولتهم بالابتعاد عما يبدو لهم قيما "أنثوية"، بما في ذلك القراءة والمهارات الاجتماعية المختلفة، وذلك لصالح العلوم أو الرياضة التي كثيرا ما تعتبر أمورا تخص "الذكور" حصرا. ويبقى الأدب الوحيد المرغوب فيه لدى الصبيان هو المجلات الهزلية المصورة، والتي تصور شخصيات تكون في معظم الأحيان خشنة وذات سلوكي سيء. ونرى في الواقع أن التلاميذ الذين مستواهم دون المتوسط في تحصيلهم الدراسي، كثيرا ما يصبحون موضع تقدير من قبل أقرانهم ضمن مجالات الصفات الذكورية النمطية. أما الطالب الناجح دراسيا، والذي قد يكون في الوقت نفسه قارئا نهما، فكثيرا ما ينحدر تقييمه في نظر الأقران فيما يخص كونه صبيا "حقيقيا".

ولا يستبعد أن تكون الفروق بين الجنسين فيما يتعلق بالاهتمام بالمطالعة أن تكون نتيجة لاختلافات بيولوجية أساسية بين الذكر والأنثى. فقد تفضل الفتيات تجربة المطالعة الهادئة المستكينة، ويشعر الصبيان بسعادة أكبر لدى قيامهم بأنشطة تضج بالحيوية كلعب كرة القدم أو إصلاح دراجاتهم. ويبقى السؤال عن إمكانية إرجاع ذلك لفروق متأصلة أو لأعراف اجتماعية فُرضت بشكل وضعي، يبقى مثارا للجدل في علم النفس.

وقد يجري التعبير عن هذه الاختلافات بطريقة أكثر قسوة لدى عائلات الطبقة الفقيرة، حيث ينظر إلى مطالعة الكتب كشيء "غير طبيعي" بالنسبة لشخص يفترض فيه عوضا عن ذلك أن يخرج للعب مع أصدقائه. وفي الواقع قد تؤثر مواقف الوالدين السلبية تجاه المطالعة على كل من الجنسين منذ البداية، ففي الوقت الذي ترى فيه الأمهات من الطبقة المتوسطة أن القراءة جهرا قبل النوم تعتبر جزءا من واجبهن التربوي والتثقيفي، قد تعتبر بعض الأمهات من الطبقة العاملة هذه المطالعة تسلية بلا طائل، أو تدليل طفولي، في أفضل الأحوال، يجب منعه عندما يكبر الطفل بحجج من نوع، "لقد كبرت على القصص".

حتى المدرسة لم تعد تعتبر المكان المناسب للمطالعة الخاصة، وقد بينت الدراسة أن الأطفال يفضلون القراءة في جو معقول من الراحة، إما مسترخين داخل مقعد وثير، أو مستلقين في فراشهم. وليس بإمكان الكراسي الصلبة أو النشاط الذي يسود غرفة الصف أن يباريا ذلك النوع من الألفة والحميمية، كما أن البيوت التي يتكدس فيها الأطفال مع العائلة في غرفة واحدة لأسباب تتعلق بضيق المكان أو بالوضع الاقتصادي، تجعل من الخصوصية التي قد تكون ضرورية للمطالعة أمرا صعب التحقيق، إضافة لأنها لا تستطيع مجاراة الألفة والحميمية المذكورتين. ومع ذلك، قد تكون مواقف الأهل السلبية، غالبا، تجاه الكتب، قد تكون في نهايته أهم عامل في تحديد ردود فعل الطفل تجاه الأدب في المدرسة فيما بعد، ولا يعني ذلك أن الأطفال، خاصة القادمين من أوساط فقيرة، متخلفين في المهارات التقنية للقراءة.

والعامل الأكثر حسما في إبعاد الكثير من الأطفال عن المطالعة قد يكمن في طبيعة أسلوب السرد المتكلف الذي يسود عموما في تلك المجلات، ما عدا البسيطة منها، مهما كانت الشخصيات والظروف التي تتحدث عنها هذه القصص.

 إن السياق السردي الأكثر تعقيدا الذي يكتب بها معظم الأدب قد يبدو، وبكل بساطة، غير طبيعي بالنسبة لهؤلاء الأطفال، وبذلك قد لا تتوافر لهذا السياق كبير فرصة لخلق الإحساس بالارتباط الشخصي، ذلك الإحساس الذي يؤدي غالبا إلى اجتذاب فضول القارئ منذ البداية.

وبالرغم من كل ما سبق، فإننا نرى الكثير من الحالات التي وجد فيها القراء الصغار، الآتون غالبا من خلفيات معدمة، في القصص تلك الروح المحرضة التي تطرح التساؤلات، والتي كانوا يبحثون عنها. وكثيرا ما استطاع المدرسون وأمناء المكتبات الموهوبين قهر الحواجز الثقافية الأولية الراسخة داخل العديد من تلاميذهم وذلك بواسطة تلك القوة الجبارة الكامنة في الإيمان بالأدب.

ومن جهة أخرى، تشير الأستاذة (مها حسن) إلى أن التلفزيون بمعناه الشعبي يرضي حاجة كانت القصص الشعبية تشبعها فيما مضى، وليس من المحتمل الآن أن تتمكن القصة من استعادة هيمنتها، فالقراءة بحد ذاتها ستبقى دائما تقنية صعبة بالنسبة لبعض الناس الذين لا يستطيعون إتقانها، ولن نكون متفائلين لدرجة أن نتخيل بأن من السهل على المؤلفين كتابة قصص تشد القراء وتكون شديدة الجاذبية وذات مفردات شديدة البساطة، وحتى بالنسبة لمن لا يواجه أية صعوبات قرائية يعتبر مشاهدة التلفزيون بعد يوم حافل بالعمل أمرا لا يتطلب الجهد الذي تتطلبه قراءة كتاب، إذا أخذنا بالاعتبار أن المشاهدين يتلقون صورا جاهزة، بينما يضطر القراء إلى تركيب صورهم في الخيال من الكلمات المكتوبة على الصفحة أمامهم.

لقد كان هناك تفضيل للقراءة الخفيفة بين كل فئة الأعمار، سواء كانت قصصا مثيرة أم قصص رعب أم قصصا عاطفية... وقد يكون لهذا النوع من الكتابة إضافة لشعور الاسترخاء الذي يمنحه تأثيرا بناء في المساعدة على إرساء النظم الاجتماعية أو اقتراح أساليب محددة للتصرف. كما قد تكون هناك أوقات أخرى يريد فيها الأفراد اكتشاف معنى خاصا أكثر من الخبرة الذي يشكل حياتهم، وعندها تكون تلك المطبوعات الأخرى المختلفة، التي قد تتمتع بقدرة أكبر على فهم أو عكس أحلام وانفعالات شخصية أكثر تعقيدا، تكون قادرة أحيانا على لعب دور الأصدقاء الحقيقيين، وتقف إلى جانب القارئ ضد ذلك الاتساق الشديد التقييد للرؤية، والذي قد يتواجد داخل العائلة أو في المدرسة أو ضمن المجموعة أو في وسائل الإعلام.

ومهما كانت الطريقة التي سيقرر الأطفال الاستفادة بواسطتها من الأدب في النهاية، يجب علينا بالتأكيد، خلال مرحلة ما، لفت انتباههم إلى وجود ذلك الكنز الكامن الدفين تحت تصرفهم. ومن أجل القيام بذلك بفعالية، يجب أن نفهم أولا بعض العوامل التي قد تؤثر أكثر من غيرها على ردود أفعال الأطفال تجاه الأدب خلال الأعمار المختلفة. وفي حال استطاعت هذه المجلة تقديم مساعد من اجل التواصل لفهم كهذا، حتى ولو كان هذا الفهم يفتقر للكثير، تكون مجلة الأطفال عندها قد حققت أحد أهدافها الأساسية.

.............................

المرجع:

الطفل والكتاب: دراسة أدبية ونفسية، The Child and the Book، نيكولاس تاكر، ترجمة مها حسن بحبوح، دمشق: وزارة الثقافة 1999. (دراسات اجتماعية 40)

تعليقات