أصداء الفكر
يوحنا الشفتشي، كاهن قبطي مصري، ينحدر من عائلة متخصصة
في صياغة الذهب، حيث تُستخدم كلمة "الشفتشي" في اللغة العربية لوصف خيوط
الذهب الدقيقة التي لا تُرى إلا في شفافية الضوء. كانت صياغة الذهب حرفة متوارثة بين
الأقباط منذ أقدم العصور، مما يعزز الاحتمالية بأن عائلة يوحنا كانت تعمل في هذه الحرفة
الراقية.
بدأت شهرة يوحنا الشفتشي تبرز خلال الحملة الفرنسية
على مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798م. أثناء تقدم الحملة عبر مدينة رشيد، عثر
الضابط بيير فرانسوا بوشار على حجر رشيد عام 1799م. كان هذا الحجر يحمل نصوصًا بثلاث
لغات، مما أثار اهتمام القادة الفرنسيين الذين أرادوا فك رموزه لفهم التاريخ المصري
القديم. لجأ الجنرال كليبر إلى العالم الرياضي الفرنسي فورييه، الذي كان قد كوّن فريقًا
من الباحثين المختصين في اللغات الشرقية القديمة، ومن بينهم الكاهن القبطي يوحنا الشفتشي.
وُلد يوحنا الشفتشي في القاهرة الكبرى، وعمل كمترجم
فوري في منطقة الجيزة وكاتب أول في محكمة الشؤون التجارية. بفضل توصية فورييه، تم تعيينه
مترجمًا لدى اللجنة التي شكلها كليبر لجمع مواد تاريخ الحملة الفرنسية. وعندما خرج
الفيلق القبطي بقيادة المعلم يعقوب من مصر متجهًا إلى فرنسا، خرج يوحنا الشفتشي معهم
واستقر في باريس.
في باريس، عُثر على إشارات مقتضبة في مخطوطات المكتبة
الوطنية بباريس تشير إلى دور يوحنا الشفتشي. في خطاب من وزير الداخلية الفرنسي إلى
أحد العلماء في المدرسة المركزية، يسأله عن رأيه في الاستعانة بكاهن قبطي اسمه يوحنا
الشفتشي، الذي كان معروفًا بمهاراته الواسعة في اللغات الشرقية. كذلك، توجد توصية من
عميد مدرسة اللغات الشرقية يشيد فيها بفضل هذا الكاهن القبطي.
في 6 أبريل 1816م، تم العثور على تزكية تحمل توقيعات
سبعة من أشهر العلماء الفرنسيين في القرن التاسع عشر، يثنون فيها على ثقافة يوحنا الشفتشي
الواسعة ويشيرون إلى زهده وتواضعه. عمل يوحنا الشفتشي ككاهن مقيم في شارع سان روك بباريس،
حيث كان يدرس اللغة القبطية للطالب فرانسوا شامبوليون، الذي نجح فيما بعد في فك رموز
الهيروغليفية عام 1822.
اعتبر شامبوليون أن نجاحه في فك رموز الهيروغليفية
لم يكن ليتحقق بدون مساعدة يوحنا الشفتشي. في مذكراته، ذكر شامبوليون فضل الكاهن القبطي،
قائلاً: "إنني ذاهب إلى كاهن قبطي يعلمني الأسماء القبطية وكيفية نطق الحروف.
إنني أكرس نفسي لتعلم اللغة القبطية، إذ أريد أن أتقنها مثلما أتقن الفرنسية."
يوحنا الشفتشي توفي في مرسيليا عام 1825، بعد أن قضى حياته في خدمة العلم والتعليم، تاركًا أثرًا كبيرًا في تاريخ فك رموز اللغة المصرية القديمة.
من خبايا التاريخ... يوحنا الشفتشي: البطل الحقيقي المجهول في فك رموز حجر رشيد، بقلم: أحمد الجمال، باحث ومؤرخ مصري.