📁 تدوينات جديدة

شجرة الوهم︱قصة: عبد الإله بوزين

جلست أستظل بشجرة البلوط، فما كدت أستلقي أرضاً حتى بدأت تتساقط عليّ ثمارها الكبيرة، وكأنني بجنة النعيم. ما كنت أعتقد أن شجر البلوط كريم بهذا الحد. الغريب هو أنها لم تُسقط بلوطاً، بل هذا أكبر وأحمر، يشبه الليمون وما أظنه ليموناً، كما لا أظن أن السِّنديان يثمر هذا. رفعت عيني لأتأكد من جنسها أهي زيزفون أم شجرة بلوطٍ. فما بصرت مقلتي شكلها حتى بزق فيها طائر كاد يطفئ نوري. أعرف أن فضلات الطيور هي فأل خيرٍ حسب الأساطير القديمة، لكن إذا أصابت الرأس أو شيئاً من هذا القبيل... أما أن تعمي بصري فهذا فأل شرٍ ولا خير فيه. شعرت بالخوف، حيث أدركت أخيراً أن المكان غير آمن.

نهضت مسرعاً لأنجو بروحي العزيزة، فالتقطت إحدى ثمارها لعلي أعرف صنفها. أركض والغابة تتبعني، أضاعف من سرعتي وهي الأخرى تكاد تسبقني. من يفر من الآخر؟ إذا هي فارة مني، لما تتبعني؟! أم أنا هاربٌ منها وهي تلاحقني؟ أم نحن الاثنان نهرب من شجرة البلوط؟

هنا أدركت حقيقةً أنها "غابة من الأرجل" كما جاء على لسان عبد الحق الشراط، أرجل تركض خلفي وتريد أن تسبقني. صوتها مرعب، وحاد، وعنيف، يريد أن يطرشني. ضاعفت السرعة أفر بجلدتي من هذا الفزع الشديد، أجري ثم أجري ولا ألتفت لما يقع ورائي، كل ما يهمني هو النجاة بنفسي.

اقتربت من وادٍ مُشيّدة عليه قنطرة من قصبٍ قديم، شكلها أكثر رعباً، لكنها بالكاد تبقى سبيلي الوحيد للنجاة من لعنة الغابة. سأعبر عليها إلى ضفة أخرى لا تتعبني أشجارها، فمهما كان شكلها مرعبا إلا أنها تظل قنطرة عبور وأنا حتماً سأعبرها. قصدتها بكل إيمانٍ أنني أخيراً سأنجو بجلدتي، لكن أعماق النهر كانت هي مصيري. غرقت حدّ القاع، وكادت المياه تخنقني، أسبح جاهداً كي أطفو فوق الماء، فهل لي بخفة زعانف السمك تنقذني من الغرق؟ سأموت هنا، سأنتهي هنا، إلى هنا قادتني لعنة تلك الشجرة.

لا زلت أسبح والمياه تغلبني، أنتظر أي جذعٍ ملعونٍ سيحمل نحساً مثلي، فلا زلت أتشبث بغصن الحياة ولا أريد أن أموت. تعبت كثيراً، تتقاذفني المياه هنا وهناك إلى أن ألقاني النهر بالساحل، أي راحة أستريح ثانية، لا مأمن ولا راحة بعد كل ما وقع.

لبرهة تذكرت ثمرة البلوط التي التقطتها، لقد فقدتها في أعماق الواد، آخٍ لن أعرف نوعها، كل هذا الانتقام ولا زلت أتساءل عن نوعها، أي أحمقٍ هذا الذي توسوس له نفسه بإعادة التفكير فيها؟!

اللعنة! لقد وجدت نفسي وسط حقل الصبار، أشواكه كالسهام، تريد أن تشق صدري. يا رباه، لعنتها لازالت تلاحقني، فإن لم تقتلني أشجارها ولم يغرقني نهرها فحتماً ستميتُني أشواكها. عرفت يقيناً مصيري ورأيت المنية بأم عيني.

صرخت جُهد حنجرتي ولا أحد يسمعني، أردت تحريك قدمي لكن الشلل ضرب أوصالي. أسمع ريحاً عاتية تدنو مني، وفحيح الأفاعي يشق أذنيّ، وصوت الغابة التي لا زالت تركض نحوي، وأشواك الصبار من كل جانب تطوّقني، أي منية أنا ميتها؟! سأموت ببشاعة، وهنا ستقتلني شجرة البلوط، وسأدفن في مقبرة الأشواك. لقد تمكنت مني وبدأت تعتصرني بأغصانها وكأنها إحدى أفاعي "المامبا السوداء"، ثم رفعتني إلى السماء وأسقطتني أرضاً غارقاً في دمائي، فالصبار وخز كل جسدي وما بقي لي إلا أن أنتظر حتفي.

التفّت الساق بالساقِ وبلغت الروح التراقيَ. صرخت من سكرات الموت فاستيقظت والأهل وربما حتى الجيران لأجد نفسي ألهث من متلازمة الجنية العجوز.

🖋 عبد الإله بوزين︱المغرب

تعليقات