صدرت مؤخرا رواية “المرآة الآسنة” للكاتبة نسرين المؤدب عن دار نقوش عربية 2023، ويعد كتابها الثاني بعد المجموعة القصصية المشتركة لتسع كاتبات تحت عنوان “عاشرهن”، وهو متن سردي وزع على 15 فصلا، طرح العديد من المسائل والإشكاليات داخل بنية سردية متمكنة من تقنيات الكتابة الروائية، واحتياجاتها من الأزمنة والأمكنة والشخصيات، ومسار الفكرة الرئيسية ومنعرجاتها وعقدتها وفكها وانفراجها، ليكون الثالوث المتكون من الذات والدفتر والمرآة هو محرك كل التفاصيل المبثوثة هنا وهناك وعلى امتداد 200 صفحة.
أما عن الذات، فهي شخصيات تناثرت كأوراق الخريف على رصيف الحاضر والذاكرة والماضي وقادم الأيام، كانت المرأة إحداها، هذا الكائن الذي تعددت أوصافه وحالاته الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، بل والوجودية، فكانت الشخصية فضولية وقلقة وغير مهتمة، ومسؤولة ومغرورة وخجولة، وغيورة وقارئة للكتب ومتحدية، وفاهمة مهتزة أحيانا، وواثقة أحيانا أخرى، كما تعي ما تفعل وطموحة وحقودة، هذه الذات المحكومة أيضا بسطوة الأسئلة المباشرة والحياتية والوجودية والمجنونة والبسيطة، بل حكمتها دوامة الأسئلة ولعبتها والعلاجات المتنوعة للخروج من شقاء الذات الباحثة والمتمردة، مثل التنويم واليوغا والقراءة والمطالعة، بل واللجوء للشعوذة عندما وقفت الحلول الأخرى عن تقديم متنفس وفرص أخرى للتجاوز.
أما الرجل فكان طموحا ومغرورا ورقيقا، ونرجسيا وانتهازيا وعمليا، والعمود الثاني في هذا الثالوث، الدفتر هذه الورقات التي نخطها بأيدينا، فهو إحدى مفاتيح النص الروائي، يؤرخ للحظاتنا الوجودية والحياتية، نخبئ فيه مآسينا ولحظات فرحنا، نعود إليه لنستمد منه القوة التي تساعدنا على تخطي الصعاب، نرى فيه لحظات عز إن وجدت، ونفر إليه ونحتمي به، كما ورد في النص الروائي للكاتبة، ونتحدث معه في لحظات صفاء أو احتياج، وهذا ما وقع مع البطلة، وتغلقه متى شاءت، لكنه حضر مع البطلة ومع غيرها.
أما المرآة، فذكرت 40 مرة تكاد تلخص أهم محطات البطلة في تنقلاتها الخارجية بالعمل ومع الناس، بل ومع ذاتها في لحظات صفاء أو بعد معارك لم تنهها، فعادت للمرآة التي تحتاجها مرات، وتنفر منها أحيانا أخرى، وقد رفضت أن تخرج المرآة من غرفتها رغم طلب الغير، وغيرها من المحطات، ولحظات تقاطع مع نداءات ذاتها وغيرها… ليطرح النص الروائي العديد من التفاصيل الأخرى، والتي شكلت رؤية الكاتبة ومواقفها من الذكريات المؤثرة فينا، والتي نحتاجها في كل مرة نقتدي بها كالنجوم أو نرجمها بنفس النجوم إن كانت تؤلمنا لنحرقها ونتلف آثار الذكريات الأليمة.
العقلية الذكورية وأفضلية الذكر على الأنثى في ثقافتنا الشعبية وعاداتنا وتقاليدنا وفي اليومي المتكرر، والتربية الأسرية وتبعاتها على تشكل شخصية الأبناء وعوالم السحر والشعوذة، وضرورة القطع مع هذه الظواهر التي تنخر مجتمعاتنا، والطبيعة الخلابة بجهة بني مطير والإرهاب والموت بسوريا مقابل الحرقة ومآسيها والانتحار…
وإن كانت لغة الكاتبة سلسلة ساحرة تشدك عند المطالعة أو عند الحفر فيما تقدمه من معان في متن النص الروائي للمتابع والناقد والدارس لهذا السرد المحكم، إلا أن الكاتبة احتاجت لبعض المفردات الإفرنجية، لكن بحروف عربية مثل “بازل” و”بونسوار” و”الباركينغ” و”السوبرماركت” وغيرها، بل وكتبت جملا كاملة باللغة الفرنسية مثل la crème de la crème…
ولمزيد من الطرح وتعميق التساؤل والفهم، قدمت الكاتبة عالم رجال الأعمال والصفقات المشبوهة والفساد والأحزاب والانتخابات والثورة والتنمر وغيرها…
قراءة: طارق العمراوي، تونس