📁 تدوينات جديدة

قصيدتان للشاعرة غزلان شرفي: 1. لا أُنسى 2. حب في زمن الحرب

غزلان شرفي

لا أُنسى 

مهما علا 
مدُّ البحر 
وجرٓفٓ ما رُسِم 
على الرمل 
وطٓمٓس كتاباتٍ 
كرُموزِ السِّحر 
راحتْ جُفاءً 
كٓزٓبدٍ رخو 
فمِثلي... 
لا يُنسى!

مهما انهمرت
قِربُ الغيث
وانسابت سُيولا
تجرِف الحرث
وتمحو دموعا
سُكِبتْ من وجع الجدب
وغسٓلتْ قلوب الموجوعين
من الحُب
إلا أنّ…
مثلي لاينسى!

مهما اشتد
صفير الرياح
وشٓتّتتْ بقُوتها
رِباطٓ الرّماح
وتناثرت أشلاء الذكريات
في ... البراح
وما نفٓع معها
ترميم ولا إصلاح
فمثلي...
لا ينسى

أعلم أني
أسري بوريدك
وأقبع خلف
خلايا تركيبك
وأطالعُكٓ
في صٓحوكٓ ورقودِك
طبيعيٌّ...
فمثلي لا يُنسى

لا تدعِ صلابة
أمام سطوتي
ولا تبتغِ سِلمًا
في غير ساحتي
ولا تتحالف مع غيري
لهزيمتي
فأنت منهزم منذ
أول جولةٍ
فمثلي لا ينسى
وذِكرهُ... لا يٓمّٓحي...

حب في زمن الحرب 

تلك القصاصات المتوارية
بين تلافيف الثوب
المستكينة بجوار القلب
يفوح منها عبق الأمس
واليوم والغد
مضمخة بمسك وعنبر
تطرق الحروف فيها استحياء
وتنكر أن من رصها
كعقد من جوهر
وبثها نجواه ولونها بالأحمر
عصفور تخلف عن السرب
ليلازمها في السر
ويقضي سحابة يومه
يغزل جدائل الصبر
تحت سماء غطتها الأدخنة
لونها السواد
غاب عنها ضياء البدر
تلك القصاصات
تعاويذ حب في زمن الحرب
أنشودة سلام تكابر
لتعلو على صوت القصف
تنصهر مع نبضات خافق
فتجهر بقول الحق
خلق القلب للحب
فكيف تمكن منه الكره
وكيف فيه عاث فسادا
وأوقد للحرب نارا
لا تطفئها مياه البحر؟
وعلى غفلة من القلبين
سقطت القصاصات
وانهالت عليها الأتربة
وما بقي منها إلى الشاهد
فوق ذاك القبر... 

شعر: غزلان شرفي︱المغرب


قراءة "أصداء الفكر"

تتجلى الشخصية في قصيدة "لا أُنسى" ككائن سرمدي، يحمل قوة لا تتأثر بعوامل الفناء والزوال. البحر، برمزيته العميقة، يمثل اختبارًا لكل ما هو عابر، حيث تجرف موجه ما يُرسم على الرمل، في تكرار أزلي يعيد تشكيل الأمور ويمحوها، إلا أن الشخصية الرئيسية تتحدى هذا المد اللامتناهي. حتى الأمطار والسيول، التي تجرف الحقول وتمحو الآثار، تعجز عن محو وجودها المتجذر في قلب الحياة. الرياح العاتية، بصوتها الحاد وقوتها المدمرة، لا تستطيع تفتيت ذاكرتها.

ترى نفسها في قلب الآخر، كشريان يتدفق داخل وريد محبوبها، كروح تحيا في خلايا كيانه. وجودها لا يمكن تجاوزه، وكل محاولات الصمود أمام تأثيرها محكوم عليها بالفشل. النسيان ليس خيارًا أمام قوة حضورها، فهي نقشٌ على جبين الزمن، لا يُمحى.

في قصيدة "حب في زمن الحرب"، تتمظهر صورة لقصاصات حب مستترة، تحمل عبق الذكريات والأحلام، تجسد أملاً يتحدى صخب الدمار. هذه القصاصات المخفية بجوار القلب تمثل رمزًا للحب المستمر في مواجهة الفناء. تفوح منها روائح الأمس واليوم والغد...
العصفور المتخلف عن السرب، رمز للحب الصامد في مواجهة العزلة والظلام، يرافق الحبيبة في سرية، ينسج صبره تحت سماء ملبدة بالأدخنة. هذه القصاصات تصبح تعاويذ للحب في زمن الحرب، ترنيمة سلام تحاول أن تعلو فوق صوت القصف، تذوب مع نبض القلب لتصرح بأن الحب هو الحق، هو النور الذي لا يمكن للظلام طمسه.

ختام القصيدة يأتي برمزية عالية، حيث تسقط القصاصات وتغمرها الأتربة، لكنها تبقى شاهدة على الحب الذي عاش رغم كل محاولات الفناء. إنها ترمز للأمل الذي لا يموت، للشغف الذي يتحدى الزمن، للحب الذي يزهر حتى في أكثر الأوقات عتمة.

تعليقات