📁 تدوينات جديدة

كفاك (قصة: ريهام السعيد)

 

كفاك / قصة: ريهام السعيد

لم تُصدق نفسها حين رأته يمر أمامها، تتساءل وكأنما تريد أن تُكذب عينيها، لكن ملامحه صريحة، تصرخ أنه هو، كيف أمكنك أن تمر بمنطقتي؟ ببلدتي؟ كيف تصل جُرأتك لهذا الحد، وكأنما لم تصنع شيئاً؟ ومن هؤلاء الصغار بجوارك؟ هل هم أولادك؟

تحجرت بمكانها، قدماها لا تتحركان، أنفاسها مكتومة، صدرها يكاد ينفج، ليس من النفس المكتوم فقط، ولكن من الغيظ والقهر اللذين صعدا من ثباتهما بقاع القلب، نعم كل ذلك مر بلحظات، مع مرور الخطيب القديم الذي لم يتغير به غير بعض خطوط الكبر، وبعض الشعر الأبيض، وبضعة نظرات من الفتور واللامبالاة.

كادت تصرخ، يا هذا! ماذا أتى بك إلى هنا، يا قاتل؟ يا قاتلي منذ تركتني بلا سبب ليلة زفافي، اختفيت وتركتني لأعين وألسنة الناس تلتهمني، تركتني أحمل ذنباً لم أقترفه، ووجع لم يُمكنني من الزواج بأي شخص بعدك، خوفاً أن يصنع بي مثل ما صنعت أنت.

مر القاتل أمام عينيها، ولم يرها، طريق الخمس دقائق، مر يحمل مرارة سبع سنوات، بثقلها، بتساؤلات لا إجابة لها، وهي لا تتحرك، رأته ولم يرها، وحين اختفى به الطريق، تنبهت حواسها لصياح السائقين وسياراتهم، فبوقوفها، كما تسمرت قدماها، تسمرت بسببها حركة الطريق.

جرت أوصالها، واختبأت بين البيوت، جلست يهتز منها الكيان، وتغلي الدماء بعروقها، كانت تظن أنها تعافت، لكن رؤيته وما شعرت به نفيا ذلك.

مرت أيام تمكث ببيتها، لا تذهب للعمل، لا تذهب للسوق، لا تتحدث لأبيها سوى بالقليل، حين يفيقها من تفكيرها العميق، هي لا تبكي، لا تشتكي، لا تُخرج أياًّ مما بداخلها، تكتفي بالشرود والصمت.

لم يُخرجها من صمتها وحالتها تلك، سوى صرخات استغاثة، الأب يصرخ من الألم، ويسقط بعدها مغشياً عليه، تطلب الطبيب الذي بعد معاينته، يواسيها، أفاقت من صدمة لتقع بأخرى أكبر وأشد.

جلست تتقبل العزاء، وهي بحالة من الذهول، فارقها ونيسها وحبيبها الوحيد، الأب، تركها هائمة في تلك الحياة، ذهولها وصدمتها، لم يعطياها الفرصة بعد للحزن، جلست تصافحها الأيادي، ولا تقدر أن ترفع رأسها لترى لمن تلك الأصابع تلو الأصابع، لا ترد حتى على كلمات المواساة، تود أن تستحلفهم، اتركوني وحالي.

لكن تلك الأيدي لا تتوقف، فقط تتغير من يد ليد، حتى أمسكت بيديها أنامل هي تعرفها، أنامل لشخص ربط بقوة على يدها الحزينة المرتعشة، هي تعرف تلك الأنامل حق المعرفة، رفعت رأسها فإذا به “القاتل”، علم بما حدث، فذهب إليها يقضي الواجب، وربما ليراها بدوره بعد كل تلك السنوات.

سحبت يدها من يده في قوة، نظرت له في حنق شديد، وحين قالت كل ما تشعر به، وقبل أن ينطق ببنت شفة، أشارت له بالمغادرة، فعلم أنه غير مرغوب به، هنا ترك المكان. يبدو أن التأبين هذا لن يمر بهدوء، فبعد وقت قليل وجدت أنامل أخرى تواسيها، ويا للغرابة، تلك الأنامل أشعرتها بطيبة غريبة، وهدأت قليلاً من روعها، رفعت رأسها تلك المرة لتجد وجه ابن عمها، الذي طالما طلب أن تكون شريكةً لحياته، لكنها كانت غارقة في الحزن على ما كان، أومأ لها يخبرها أنه هنا بجوارها ولن يتركها، ولأول مرة ردت له الإيماءة، تُعلن الموافقة، نعم هي تحتاجه الآن أكثر من ذي قبل، ويا ليتها لم تضيع عُمرها بالبكاء على من لا يستحق.

ريهام السعيد، مصر

تعليقات