📁 تدوينات جديدة

الرسائل المعتقلة | د. عمر أحمد العلوش

من يسقط لن يعود، ولهذا قالوا الساقط لا يعود، كمبدأ أخلاقي وتشريعي ووجداني، ذلك أن الساقط  هو من سقط من سلم القيم والمُثل، فما عرف لجمال تلك الأخلاق درب، وما غرف غرفة من جمال.

سوريا | د. عمر أحمد العلوش: 

هي رسائل كُتبت مضمخة ومُحملة بفكرة أو مشاعر وأحاسيس نبيلة من حب وعشق ووجع وحالة وجدانية دافقة لتعبر عما يجول في الروح والنفس، نعبر فيها عن لواعجنا، هي رسائل تبكي، والعناق فيها، رسائل تحمل قُبَلاً، من أطراف أصابع خطتها، فيها الجمر يشتعل والعين ضاقت بالدمع، فتفلت الدمع وكأن الجسد كله بالبكاء يحتشد، رسائل تصرخ أنها قتيلةٌ.

نتحرى أن تلك الرسالة وصلت للمخاطب، فيقوم ذلك المخاطب باعتقالها، دون رد عليها، بنية مبيتة وعن عمد وسبق إصرار، لتبقى تلك الرسائل معتقلة نازفة، وهو يعلم أن الرسائل تبكي، وكل حرف بها ما هو إلا عين دامعة وقلب ملتهب.

فيخنق خفقة القلب ويقتل لمعة العين بعدم الرد، لتكون تلك الرسالة المعتقلة كأنها قطاطة وقعت في شباك صائدٍ فكُسرت جناحها، وتعمد ذلك الصائد بقاء الحال على ما هو عليه دون أن يفصل في مصيرها.

ويعلم ذلك المُعتقل أن هناك بالجانب الآخر نزف من ألم ووجع وعذاب، ويتلذذ بتعذيب الآخر ويظن بأنه هو الأقوى والأقدر بالتحكم بدفة شراع مركبه، دون أن يعلم بأن فعله هذا سيقود مركبه للغرق والهلاك في بحر من الكراهية، كراهية يداه اوكتاها وفوه نفج بها من درائن نفسه.

كلما اعتقلت رسالة مكثة مكثة سوداء في قلب المرسل نحو ذلك المُعتَقِل حتى يبلغ بذلك القلب وكأنه من الران، ذلك أن الرسائل المتراكمة هناك وقد تجمدت وصدأت في ذلك الركن وإن شئت قل في ذلك المكان البهيم، هذا كله خلق في روح المرسل النفور والاشمئزاز لدرجة القرف.

وعندما يبلغ الأمر منتهاه ويُحجم المرسل، ويحتجب وتكون كل أحاسيسه ومشاعره وأفكاره قد نضجت بنار ذلك المعتقل وأبت روحه أن تخط حرفاً واحداً، ترى الذي أعتقل كل تلك الرسائل أفرج عن تلك الرسائل وبدأ في ضخ مشاعر أصبحت تالفة مهترئة لا قيمة لها.

يعود ويظن أنه تفضل على المقتول وجعاً، وفي اعتقاده إن عاد سيعود الآخر، دون أن يعلم حقيقة ما فعل، فهو من جعل ساحته حصيراً من نار لن يكتوي بها غيره.

متى سقط الاحترام والاهتمام سقطت معه كثير من القيم الوجدانية التي لن تعود وإن عادت تعود مُعابه، وما أظنها تعود قط.

خلاصة القول من يسقط لن يعود، ولهذا قالوا الساقط لا يعود، كمبدأ أخلاقي وتشريعي ووجداني، ذلك أن الساقط  هو من سقط من سلم القيم والمُثل، فما عرف لجمال تلك الأخلاق درب، وما غرف غرفة من جمال.

تعليقات