📁 تدوينات جديدة

مقتطفات من كتاب حياتي، قصة لسيرين الرياحي

 

مقتطفات من كتاب حياتي، قصة لسيرين الرياحي

كل دروب الحياة عبرتُها وحدي مرفوعة الرأس، مؤمنة أن الله لن يضيّع عبدا كان لا يكسب من حياة هذا الوجود سوى طيبة القلب وحب الخير للغير.

في خضمّ كل هذا كانت ترافقني دعوات رجل بسيط أفنى حياته في تربية ستّة أبناء وسط غلاء المعيشة ومتطلبات الحياة. كان متسلحا فقط بطيبة قلب لا مثيل لها، وهو ما يشهد به كل من عاشره… وأم جميلة الملامح، ظلمتها الحياة منذ سنها السابعة عشرة. عانت بعدها لسبع سنين عجاف… فقط كان ذنبها الوحيد أنها جميلة الخلق والملامح في جبل مقفر لا يعرف أناسه سوى الحسد والبغض، يتهافتون على إهانة بعضهم البعض وهتك الأعراض أكثر من إقبالهم على الصلاة. كل من لا يجاريهم في النفاق يخرجون فيه العيوب السبعة، ولعلّي كنت ضمن من خالفوا التيار حينها فوجب عليّ حدّ ألسنتهم.

فكيف لفتاة بسيطة تربت في وسط المدينة، بعيدة عن الريف التّعيس رغم جمال طبيعته و جباله، وتلك التّلة العالية التي نطلق عليها تسمية “العلامة” أن تنج من كيدهم. أذكر أني وقفت على “العلامة” في أحد أيام طفولتي البريئة مع أم تجمع حلفاء الجبل، كنا نسميها “ڨدّيم”، في شبكة مرسومة بدقة من قِبلها وأضعها أنا فتاة العشر سنوات فوق أتان كنّا نطلق عليها “الغمّاء”، نظرا لميول لونها إلى البنيّ لتعود بعد رحلة الشتاء والصيف إلى بيت صغير لتشبع رمق أغنامها قبل يأكل أبناءها ذاك الجبل عرف بتسمية “خنڨة عيشة”.

أتذكر أن جدّتي “حدهم” رحمها الله حدثتني عن ظهور أول القبائل في ذلك الجبل… فقد كانت هناك فتاة تدعى “عائشة” ذات جمال وحسب ونسب عرفت في حرب العروش نظرا لأنها تحمل السلاح فكان يهابُها كل فرسان القبيلة. تراها تدافع على شرف أرضها وتنافس فرسان قبيلتها والقبائل الأخرى، حتى أنهم كانوا يقولون: “من كان رجلا فليمرّ من مفترق الطرق…” حيث كانت عائشة تقف شامخة مترصدة عدوا ماراًّ في سبيل، أو آخر مندس في قبيلة بإصدار حكم الإعدام عليه. فمن ذلك الرجل الذي سيخاطر بحياته ليمرّ من ذاك الطريق المليء بالأخطار؟ طريق تحمل فيه امرأة كأس الموت لتذيقها لكل من فقد عقله واختار السير على طريقها؟

أتراني كنت عائشة في منطقة تدعى “الميدة”؟

لا بالأحرى أنا كذلك.

لكن من اصطاد عيون الغزال كان أسدا في عرينه، وأنا لغير هذا الأسد ما شبّت عيوني.

قصة: سيرين الرياحي (تونس)

تعليقات