📁 تدوينات جديدة

نزيف، قصة لسهام محجوبي

 

نهض لؤي من النوم، وجلس على حافة السرير، ونظر إلى ثوب زوجته الملقى أرضا، فحمله وشمه واحتضنه وهو يقول:

-اشتقت إليها، وإلى وجودها حولي، ومشاطرتها لي لتفاصيلي الصغيرة والكبيرة، حتى أن البيت من دونها تملأه الوحشة، فهي كانت تغدق عليه بحنانها وبلمساتها الساحرة. مضى الآن يومان وهي لا تجيب على اتصالاتي. أتعجب كثيرا وأتساءل كيف لرجل مثلي بكل قوته ورجولته أن يتوقف عند امرأة واحدة ولا يستطيع أن يكمل حياته من دونها؟ كيف يمكن للسعادة أن تولد معها وتموت بعدها؟

حمل هاتفه وبحث عن صورتها وتأملها بكل حب وقال:

-لا أصدق كيف أُصبح ضعيفا عندما أرى عينيك، فأسقط جميع دفاعاتي وأخضع لك، وأعلن استسلامي وانتصارك المنشود لأني فقدت جميع خطط الحرب ضد حبك… أنت امرأة يذوب الرجل في حبها الأبدي لدرجة لا يستطيع الإفلات منها مهما حاول طوال عقود حياته، فحبك خُلق من ضوء القمر، يأسرني مهما بلغت شدة قوتي.

ثم اتصل بها للمرة الواحدة والثلاثين، وعندما أجابت شعر بقلبه ينبض بسرعة البرق ويكاد يخرج من صدره، فإذا به يقول لها بصوت يملأه الشوق:

-اشتقت إليك زوجتي الحبيبة، أنا أعتذر عن غضبي غير المبرر، وعما قلته لك في لحظة جنون، وعن ضربك ضربا مبرحا، الحمد لله أن الجنين لم يتأذ، أعدك أني سأتوقف عن تعاطي المخدرات، أعدك أن هذه آخر مرة، وليست كسابقتها… فهل ستعودين للمنزل؟

لم تنطق زوجته بحرف واحد، كان يسمع فقط شهيقها… ثم بعد دقيقة من الصمت، أقفلَت الخط.

تردد لؤي في الاتصال بها مجددا، وقرر أن يمنحها مزيدا من الوقت لعلها تسامحه، جهز نفسه ليذهب إلى العمل، وبينما هو يفتح الباب ليخرج، وصله اتصال من حماته تخبره فيه أن زوجته في المستشفى… خرج من بيته مرتبكا وانطلق مسرعا ليطمئن على حالها… كان وجهه شاحبا من شدة خوفه، ثم بعد ساعات من الانتظار خرج الطبيب من غرفة العمليات قائلا:

-مبارك لك، لقد رُزِقتَ بفتاة جميلة ومعافاة…

كان الخبر سارا جدا وكفيلا بأن ينتشل لؤي من عنق معاناته مع الوحشة واللوعة، كيف لا وهي أكبر أمنية يمكن أن يحلم بها أي رجل، مهما بلغت قسوته، لتتحقق له وتتوج حياته مع حبيبته… لم تكن نظراته أصلا موجهة صوب الطبيب الذي استقبله، بل تسمرت عيناه أمام الزجاج المطل على غرفة العمليات باحثا عن إشراقة نور يستقر بها قلبه…

ظهرت الحيرة على ملامحه الشاحبة لما رأى جسد محبوبته هامدا… ساد صمت ثقيل إلى أن وضع الطبيب يده على كتفه مواسيا:

-البقاء لله… زوجتك لم نستطع إنقاذها إثر نزيف داخلي بسبب تمزُّق سطح الطحال.

قصة: سهام محجوبي (المغرب)

تعليقات