لم يعرف لحّد الآن سِرَّ العداوة التي يدركها، يقف أمام المرآة يرتّب شعره الأسود مِن عمر ستّة عِقود، يلمح النُّدب أسفل عينيه يلمس وجنتيه السمراوتينِ. يبتعد عن المرآة، إنّه ذلك الشاب الذي يتابع خطاي. هو قريب من المحلّة التي أسكن فيها، شارع واحد يجمعنا. أراه يلمحني صباحاً وهو يقف عند محل السجائر يستظل بمظلّة ملونّة مرسومة بأنواع السجائر، أغلفة ملوّنة… أضطرُّ عصراً أن أخرج للتسوّق… الشاب نفسه بملابسه وقبعته البيضاوين.
غريب هذا الشاب، لم يبرح المكان الذي يستقبل الأمهات الكبيرات في السنّ، الفتيات بألوان وأشكال، صِبيةُ يرافقون الآباء، والأمهات. لماذا يترك كلّ هؤلاء ويصوّب نظره نحوي؟ كان بنفس بذلته الصباحيّة، وأنا بعد ذلك لا أمتلك أموالاً، ولا عقارات، ولا حتّى سيارة سايبا وآخرها التكتك، لم أتعلم السياقة. قضيت عمري -ألهو بحياتي- في السفر وعشق المتصابيات، حياة حُبّ ومرح معهنّ أفضل من مسؤولية البيت ووجع الرأس. عش وحيداً وغنَّ، واطلب الحبّ لا التمني! وما شأن ذلك الشاب الذي يرتدي بذلته البيضاء وقبعة بيضاء؟ أ يكون منافسا لي في حلبة الحُبّ والعِشق؟ وأين كان هو يوم كنت بعمرِهِ أمشي في طريق الحبّ، وأتفيّأ تحت ظِلال الأشجار في الحدائق منذ الصباح حتى المغرب؟ مَن هو ليقف بهندامهِ يعاكس الزمن الذي ذُبت فيه رقّة وحناناً؟ وتصيّدت فيه من العاشقات ألواناً، أعرف وجوههنَّ، خطواتهنَّ، وآخر محطة لهُنَّ في العشق. وكيف لي أن أصدّق به؟ وهو بلا خطوات له متسمّراً مكانه! كنت أظنّه يوزّع نظرة هنا. وهناك يفتعل العشق بملامح وجهه، يلاعب أصابعه بهاتف محمول… الآن أدركت انّه إنسان افتراضي يهيئ نفسه للعب والعشق عِبر نقرات على الحروف. فمن العاشق الحقيقيّ بيننا؟ وأيّ جدول بخطوط بيانيّة ستظهر صعوداً في إشارات الحبّ والعشق والمحبّة -صعوداً باهراً- وأين هو من ذلك؟ هذا الشاب الناقر على جهازه ساعات وساعات…
لابد أن تظهر النتيجة… إنّ العقود السّتة صامدة لم تهزّها رياح الواشين والحانقين، ولم يدلهّم لياليها دجى الصريم. كم عاشت تلك السنون شامخة، ظهر استبيان الحبّ فيها درجة قريبة من المئة، وشتّان بينك أيها الشاب الأبيض وأنت تقف على أرض رخوة، والرياح تتلاعب بك، وبيني أنا السّتيني القاهر للفشل والرابط في ثكنات الحب الرقيقة! لم يبق بيننا أيّ فاصل بعد فواصل الحياة الكثيرة. وإنّ محاولة اغتيال لي لن تزيدني إلاّ إصراراً وعزيمة على هزيمتك، وأنت كقشّ البعير لا تقوى على مواجهتي أنا الستينيّ المتحذلق في الحياة! وانت أسير غوغل… يتلاعب بك… ها أنا أطلق عليك رصاصة الاغتيال كي لا تعيش افتراضيّاً تزحف من أجل كلمات لا تسمن من ثقة، هي رصاصة الاغتيال ستخترق جهازك بعد لحظات…
قصة: علي إبراهيم (العراق)