لطالما نوع الفنانون التشكيليون من مصادر إلهامهم ومشاربهم مع الحالات الوجودية التي جسدوها في لوحات عالمية عالية الذوق والتصور والرؤية، وكم أعادوا في لحظات صفاء مضامين لوحات أخرى كتقليد أو كإثبات تحدٍّ لرسم لوحة أكثر جاذبية من التي قلدوها أو أعادوا تشكيلها من زاوية مختلفة، كما نهل التشكيليون في العالم من تراث أممهم وشعوبهم وتراث الأمم الأخرى. ونظرا لثراء التراث الفرعوني والمصري عموما، والذي شد انتباه وعيون وريشة العديد من الفنانين التشكيليين، وتحتفظ المدونة العالمية بمئات اللوحات التي رسمت وشكلت القاهرة القديمة وحواريها كمعالم معمارية مختلفة لدى زوار مصر، أو الأهرامات والمعابد الفرعونية أهم مضامين اللوحات، أضف عليهم التماثيل والتمائم وأزياء النسوة وحليهم التقليدية.
وهاهي الفنانة التشكيلية شيماء الكيلاني من مصر يأسرها التراث النوبي لتأخذ ريشتها وألوانها لتجسيد مشهد من المشاهد المتكررة لدى هذه الفئة من الناس.
واللوحة عبارة عن مشهد احتفالي بالزي التقليدي النوبي. دخلت الفنانة هذا الفضاء بمثلث في أعلى اللوحة وباللون الأزرق، اللون القريب والمتداول إلى اليوم في تزيين مداخل البيوت النوبية، وكأنها أرادت أن تقول تفضلوا عبر هذه الفتحة لمشاهدة التراث النوبي في إحدى تجلياته، وهي احتفالية بالزي التقليدي كالعباءة البيضاء وألعاب الفروسية والرقصات التقليدية الرجالية الماسكين بالعصي، مع أطفال مشدودين للغناء والرقص النوبي.
وتنقسم اللوحة إلى قسمين: قسم علوي للفرسان وحيواناتهم كجزء متحرك متحكم في المشهد فارضا التقبل من الآخر، وجزء سفلي مشدود لحركة الخيول وراكبيها وعيدانهم. وعلى يسار اللوحة الأطفال الذين يستهلكون اللحظة في انتظار مستقبل قريب يكونون هم ورثة هؤلاء الفنانين والخيالة.
كما نوعت الفنانة من الأشكال الهندسية كالمستطيلات والمثلاثات والمضلعات، مع رموز نوبية متوارثة نشاهدها بكثرة على أبواب وجدران البيوت النوبية.
أما الألوان التي اشتغلت عليها الفنانة شيماء الكيلاني، فقد وظفت الأزرق في ثلاث مواضع، ويرمز للتواصل، والأبيض لتجسيد البساطة والبرءاة، والأحمر الدافئ للبهجة والخيال. وبما أن أجواء الفرحة تخيم على اللوحة، لجأت الفنانة للون الأصفر رمز التفاؤل والسعادة والمرح. ولها لوحة أخرى تجسد صاحب دف وآخر يمسك مزمارا، ويحتلان مساحة هامة في اللوحة.
للفنانة شيماء الكيلاني العديد من اللوحات الأخرى التي تشكل ربما رؤية مستقلة في طريقها للتبلور والتشكل، مع انفتاحها على أدب الطفل وتأثيثها تشكيليا للعديد من القصص الموجهة للطفل، وعبر إنجازها ورشات للطفولة بالمعارض.
إعداد: طارق العمراوي (تونس)