📁 تدوينات جديدة

نص لا يحتمل السرد: حفلة تلصص / قصة: سمير اسماعيل

نص لا يحتمل السرد: حفلة تلصص / قصة: سمير اسماعيل

لا ينبغي لي التلصص على الآخرين، ولكن عيني تنظران مخترقة ما أرغب باكتشافه من الشخوص حولي في الحديقة التي تتوسط الحي الذي أسكن فيه كي أشبع فضولي، وأرسم بقايا كلماتهم في أحلامي المجنونة بهم، وربما لإيماني بسعادة رؤياهم يهذون بموسيقى كلمات تخرج من أفواههم لا يذكرونها لاحقا.

عينان تفتشان عن حبيب غادر لم يحضر فتموت فيهما الفرحة وينتحر جسدها بالذعر وتوقف الحياة، إنه الغدر والمرارة التي تعيشها، ونظراتها تتوسل بالممرات كي يجيء القلب الذي سينير الروح ويحقق حلم التواصل بين الجسدين.

شاب وفتاة يقبلان بعضهما البعض على أريكة في الحديقة، لم تحتمل عشقهما والقبلات بين الشفتين، أوحيت لهما بالخروج أو التستر وراء شجرة عملاقة ليكسفا ما بينهما كل ما تشتهي نفسيهما من جنون.

مغن ثمل يصدح صوته بأغنية فاشلة... قلت للمغني: "غن لي أغنية حزينة..." قال: "لقد نسيت الكلمات، وربما لا أعرف كلمات أغنية حزينة." ثم اجهش بالبكاء كطفل صغير فقد أمه في الشارع.

رجل عجوز يتبول على شجرة في الحديقة، فيفرغ نص بوله في بنطاله والنص الآخر يسقي به جذور الشجرة، كجرعة خمر كادت أن تسكرها وتسقطها من عليائها بعد أن سقطت الأوراق وتكسرت الأغصان برائحة بول العجوز.

على مصطبة ملونة في زاوية الحديقة، حشرت نفسها فتاة في سن المراهقة نظراتها ساهمة وكأنها تستمع إلى موسيقى أحلامها المندمجة مع روحها تهدهد جسدها، لأنها تقترب من كونها تحاكي حلمها الذي يتشكل قدامها عن الشاب الذي يجتاز الممرات للوصول إلى قلبها الفتي، رغم أنها كانت تعتبر ذلك مستحيلا وكان يحرمها من التوقف عند نظراته والاستسلام لعشقه لها.

عندما أنام لا أقاوم أحلامي، وإنما أستسلم لها وأفرح بمتابعتها، لأنها تعدني بحياة أخرى غير الواقع الذي أعيشه مخنوقا بالمشاكل، إنه مجرد حلم، ما إن أفتح عيني، أجد كل شيء قد تبخر وغادر روحي.

لا ينبغي للمرء أن يراقب الآخرين، لكنني أتلصص وفي قميصي ثمة حركة لحشرة حشرت نفسها ما بين القماش والجلد كي تمتص بعضا من دمي الوسخ ثم تموت.

الحديقة هادئة والجو مشحون بزمن هارب من الحرب يرقد على أشلاء بيوت غادرتها الأرواح إلى جهة مجهولة.

الكاتب:
سمير اسماعيل
سمير اسماعيل
(العراق)
تعليقات