دخلت إلهام عيادة الطبيب،
وسجلت اسمها لدى الكاتبة، وجلست في خجل قر ب الباب تنتظر دورها كبقية المرضى…
وما إن استوت في جلستها ورتبت ملابسها، ووضعت حقيبتها
اليدوية بجانبها، ثم جالت القاعة بناظرها، حتى انقبض قلبها انقباضا مؤلما، وكتمت زفرة
كادت تخرج من قلبها…
لم تستطع منع دمعة من الانهمار من عينيها، بل كفكفتها
بسرعة ودون تفطن أحد من الحاضرين…
أهذا عدنان زميل الدراسة، ذلك الطالب الناضج ذو العينين
السماويتين، والشعر الفاحم والجمال الأخاذ والقامة الطويلة؟
تأملته ثانية وثالثة…
نعم إنه هو…
وهل ينسى؟
طافت بذاكرتها المشتتة، ووجدت نفسها في سن الحادية
عشر تقف، بميدعتها الوردية، تقرأ نص الإنشاء وعيناها على وجه عدنان، تحاول أن تفهم
معاني ملامحه، فلا تجد فيها لا إعجابا ولا حبا ولا إقبالا ولا أية ردة فعل مما كانت
تتمناه منه...
في حين تلتهب قاعة الدرس تصفيقا وتشجيعا من قبل الطلاب
والمدرس والمدير الذي يرافق إلهام من فصل إلى فصل مفتخرا بجهدها في كتابة مواضيع قيمة...
تتظاهر بالفرحة، لكن عدم اهتمام عدنان بها يلهب قلبها
الصغير حبا وانكسارا وألما من لامبالاته، دون الآلاف الذين من حولها...
وحين تعود إلى غرفتها تلهب الأوراق رسائل اعتراف...
تبوح لها بكل مشاعرها الثقيلة التي تحملها، ولا يسعها
قلبها الصغير المحترق حبا مبكرا قتلها...
وما زاد في تأججه هو الكتمان، فالحب في سنها وبين
أهلها محرم في تلك السن المبكرة، لذلك ظلت تعاني منه لأنه جاثم على صدرها يقتلها...
يطاردها خياله المتكبر في ساحة المدرسة وفي الصف
وبين المقاعد...
لا يأبه بحالها ولا يمنحها حتى نظرة عادية...
عندما نظرت إليه بتمعن، وجدت شعره الأسود قد اجتاحته
خيوط بيضاء، وتساقطت أسنانه اللولبية، وغزت التجاعيد وجهه الذي كان يبدو نضرًا، وانطفأ
بريق عينيه الزرقاوين التي أشعلت قلبها الغرام...
لم ترد التركيز فيه جيدا حتى لا يشعر بالإحراج، وتمنت
ألا يعرفها…
لكن كان قلبها ينزف...
وفي تلك اللحظة أنقذت الكاتبة الموقف، ونادت:
"سيدة إلهام تفضلي بالدخول."
أسرعت بخطوات متعثرة كأنما هي هاربة من طارئ، وما
إن ولجت مكتب الطبيب، حتى ارتمت على المقعد وانهارت من شدة البكاء.
فاطمة بناني
(تونس) |