📁 تدوينات جديدة

المظاهر التراثية والثقافية لرمضان ودورها في توحيد الأمة الإسلامية / حسن امحيل

المظاهر التراثية والثقافية لرمضان ودورها في توحيد الأمة الإسلامية

 مقدمة 

بعد أيام قليلة، سيهل على الأمة الإسلامية ضيف عظيم ومبارك، محفوف بالرحمات الإلهية والنفحات الربانية، إنه شهر رمضان الذي يُعَدُّ من أفضل الشهور عند المسلمين، بل هو خير من ألف شهر، والوحيد الذي ذُكر في القرآن الكريم: 

﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]

ينتظر المسلمون حول العالم بفارغ الصبر قدوم هذا الشهر الكريم، والذي يمتد لأيام معدودات، ينتهزها المسلمون لتجديد الإيمان والتقرب من الله سبحانه وتعالى، من خلال الصيام والقيام والصدقة والتضرع لرب العالمين.

رمضان يمثل فرصة مهمة لتجديد العهد مع الله والسعي في سبيل الخير والإحسان. إنه فرصة لتغيير السلوكيات السلبية والسعي نحو التحسن والإصلاح. ومن المؤكد أن هذا الشهر سيكون فرصة ذهبية للجميع للتركيز على الجوانب الروحية والأخلاقية في حياتهم، ولتحقيق الاستقامة والتقوى.

أبعاد ثقافية وتراثية استثنائية

بالإضافة إلى ذلك، فإن لرمضان أبعادا ثقافية وتراثية استثنائية، سنتطرق لبعضها في هذه المقالة ولدورها في تعزيز مقاصد هذا الشهر الفضيل.

الفانوس

يُعد فانوس رمضان من الرموز الثقافية الأساسية التي ترتبط بشهر رمضان الكريم، ويتكون الفانوس التقليدي من شكل أسطواني من الزجاج الملون، ويتزين بزخارف تتراوح بين الزهور والأشكال الهندسية. يُحتفل به في العديد من البلدان الإسلامية حيث يتم تعليقه في الشوارع والمنازل والمساجد.

يعود أصل استخدامه إلى القرن الرابع عشر الميلادي من طرف الفلاحين المصريين لإضاءة المزارع في الليالي الظلماء، وقد اتخذ الفانوس شكله وتصميمه الحالي في القرن العشرين. ويتم تركيب مصباح كهربائي داخل الفانوس حديثًا، بينما يستمر العديد من الناس في استخدام الفوانيس التقليدية.

يمتلك الفانوس رمزية كبيرة، إذ يحيل على النور الذي يجلبه شهر رمضان، كما يرمز إلى التآزر والتضامن بين أفراد المجتمع، حيث يتجمع الناس في المساجد والشوارع لتبادل التهاني وتقديم الهدايا في هذا الشهر الكريم.

مدفع الإفطار

كان ومازال أذان المغرب وسيلة للإعلان عن وقت الإفطار إضافة إلى موعد الصلاة، وعلى مر السنين، حاول المسلمون تطوير وسائل مختلفة للإشارة إلى موعد الإفطار، خاصةً مع انتشار الإسلام في مناطق واسعة الرقعة المكانية. ومن بين تلك الوسائل المبتكرة، ظهر مدفع الإفطار كوسيلة للتذكير بوقت الإفطار وإنهاء يوم الصيام، وأصبحت هذه العادة شائعة إلى الآن في الكثير من الدول الإسلامية حتى أصبحت رمزا من رموز التراث الإسلامي.

المسحراتي

يعتبر المسحراتي أو النفار عنصرا مهمًا من التقاليد الإسلامية، ويشكل جزءًا لا يتجزأ من روحانية شهر رمضان، وهو الشخص الذي يقوم بإيقاظ الناس قبل صلاة الفجر بساعات خلال شهر رمضان المبارك لتناول السحور. يصدح صوت المسحراتي من المسجد أو يتجول في الشوارع حاملاً بيده طبلا أو مزمارا ليجعل صوته يصل إلى الآذان، عازفا على ألحان مصحوبة ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية.

دروس وندوات دينية

يشهد شهر رمضان المبارك إقامة العديد من الندوات والدروس الدينية التي تهدف إلى توعية المسلمين وتثقيفهم حول مفاهيم وأحكام الصيام، وذلك بهدف تعزيز مقاصد الصيام والتركيز على الجانب الروحاني من هذا الشهر المبارك، إضافة إلى إثارة مواضيع مختلفة عامة تهم العبادات والمعاملات. وتأتي هذه الندوات والدروس الدينية في إطار التعليم الديني والتوجيه الإيماني، والتي تتم إقامتها بالمساجد أو بالدور الثقافية، أو يتم بثها على القنوات الإذاعية أو التلفزية.

مأكولات من التراث الغذائي الإسلامي

يتميز شهر رمضان المبارك بإعداد العديد من الأطباق التراثية التي تقدم خلال وجبة الإفطار، ولعل أبرزها والتي نجدها في كل الأرجاء الإسلامية: التمر والحليب والشوربات بالقطاني، وهي نفسها التي ذُكرت في السيرة النبوية الشريفة، حيث كانت من الأطعمة التي يفضلها الرسول محمد ﷺ. وتسبق طقوس الإفطار أدعية موحَّدة يرددها كل مسلمي العالم (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت... ذهب الظمأ وابتلّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله...)،

ثقافة التضامن

تنشط خلال شهر رمضان أفعال الخير المكرِّسة لثقافة التضامن الاجتماعي بين المسلمين، من خلال الأعمال الخيرية التطوعية التي يقوم بها إما الأفراد أو الجمعيات أو حتى على المستوى الحكومي، حيث يتم توزيع الصدقات والهدايا والتبرعات على المساكين، وتنظم موائد الرحمة لفائدة الفقراء حتى تعم فرحة الإفطار في كل أرجاء البلاد الإسلامية.

خاتمة

يعد كل ما سلف أعرافا ثقافية وتقاليد تراثية توحد المسلمين خلال شهر رمضان، ومن المعلوم عند علماء الاجتماع أنه كلما ازداد اشتراك الناس في مجموعة من القيم والعادات الثقافية، كلما أصبح تقاربهم وتضامنهم الاجتماعي أكثر قوة وصلابة.

بقلم: حسن امحيل (المغرب)

حسن امحيل


تعليقات